Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

مزايا الحوار لا تُحصر في إطار

الحبر الأصفر

A A
يَعتَقد البَعض أَنَّ الحوَار هو بَين شَخصين، للوصُول إلَى نَتيجَة، ومَا عَلِمُوا أَنَّ الحوَار قَد يَكون -أوّلًا- بَين الإنسَان وبَين نَفسه، ولَازلتُ أَتذكَّر ونَحنُ صِغَارًا -فِي المَدينَة المُنيرَة- أَنَّ الوَاحِد مِنَّا يُردِّد جُملة: «قَال لِي عَقلِي»، و»قُلت لعَقلِي»، وعِبَارة: «بَدَأ الفَأر يَلعب فِي عِبِّي»، وهَكذَا يَظهر العَقل والفَأر، وكَأنَّهما الطَّرَف الآخَر مِن حوَار الإنسَان مَع نَفسه.

أَكثَر مِن ذَلك، لَا يَختصُّ الحوَار بَين البَشَر، بَل يَتجَاوَزه إلَى الحوَار بَين الجَمَادَات، وفِي ذَلك يَقول الدّكتور «محمد علي جعلوك»؛ فِي كِتَابهِ: «الحوَار لُغة الضُّعفَاء، أَم لُغة البُسطَاء؟»: (إنَّ الحوَار لُغة؛ يَتعَامَل بِهَا شَتَّى المَخلُوقَات، فهَذا اللَّيل والنَّهَار، وهَذا النّور والظُّلمَة، وهَذه الحرَارَة والبرُودَة، وهَذا المَطَر والجَفَاف.. وهُنَاك حوَار المَعَادن مَع الحَرَارَة؛ والتي تُنتج التَّمدُّد والتَّقلُّص.. وحوَار الرّطوبَة مَع المَعادن؛ والتي تُنتج الصَّدَأ.. وهُنَاك حوَارَات الجَاذبيَّة والحَركَة مَع كُتلة الأجسَام.. وهُنَاك حوَار البذرَة مَع الأَرض.. وحوَار النَّبَات مَع المَاء والشَّمس والهَوَاء.. وهُنَاك حوَار الغَرَائِز فِي الإنسَان والحيوَان، فثمّة حوَار بَين الجوع وتَنَاول الطَّعَام، بهَدف تَوفير الطَّاقة مَثلًا.. وهُنَاك حوَار الخَوف مَع المَخَاطِر؛ بهَدَف الحِفَاظ عَلَى الحيَاة.. وحوَار التَّواصُل بَين الجِنسين؛ مِن أَجل استمرَار الجِنس)..!

نَعم، إنَّ هَذه الأَشيَاء كُلُّها؛ تَتحَاور مَع بَعضهَا البَعض، ولَكنّه حوَار الصَّامتين، حوَار الجَامدين، لَيس فِيهِ خَاصيّة النُّطق.. إنَّه حوَار الطَّبيعَة فِيمَا بَينهَا وبَين نَفسهَا.. ولَم نَسمَع أَبدًا أَنَّ أَحَد المُتحَاورين مِن الجَمَادَات، غَضِبَ عَلَى جَمَادٍ آخَر، وأَغلَق الخَطّ فِي وَجهه، أَو شَتمه بأَقذَع الشَّتَائم.

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّ الكون كُلُّه قَائِم عَلَى الحوَار، ذَلك الحوَار الذي يَدعو إلَى التَّوَازُن بَين الأَشيَاء، وقبُول وجهَات النَّظَر، وتَعدُّد الآرَاء فِي المَسأَلَةِ الوَاحِدَة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store