Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

قِرَاءةُ الكِتَابِ.. رَاحةٌ للأعصَابِ!!

الحبر الأصفر

A A
كَتبتُ سَابِقًا عَن فَضَائِل القِرَاءَة عَلَى الإنسَان، وسأَكتُب الآَن، وسأُكرِّرهَا لَاحِقًا، لأنَّه لَا يَكفي أَنْ تُحِبّ القِرَاءَة، بَل مِن الجَيِّد أَنْ تَكون مَسرُورًا، فِي حَالة دَفْع المَال مِن أَجل شِرَاء الكُتب، وقَد انتَبَه إلَى هَذا المَلْمَح الذَّكي شَيخنا «الجَاحِظ» عِندَمَا قَال: (مَن لَم تَكُن نَفقته التي تَخرُج عَلَى الكُتب؛ أَلَذ عِنده مِن إنفَاق عُشَّاق القيَان، لَم يَبلُغ فِي العِلم مَبلغًا رَضيًّا)..!

فالكِتَاب؛ قَد يَكون مَحطَّة، يَستَريح عَلَى أَرصفتهَا المُتْعَبُون، وقَد يَكون وَسيلَة مِن وَسَائِل التَّرفيه، التي يَبحَث عَنهَا المُشتَاق؛ إلَى المَعرِفَة والفِكر، وعَلينَا أَنْ نُفرِّق بَين المَحطَّتين، وفِي ذَلك يَقول الفَيلسوف «جلبرت كيث»: (هُنَاك فَرقٌ عَظيم؛ بين شَخصٍ مُتشوِّق؛ يُريد أَنْ يَقرَأ كِتَابًا، وشَخصٍ مُتْعَب؛ يُريد كِتَابًا ليَقرَأه)..!

لِذَلك، لَابُدَّ أَنْ نَهتَم بالقِرَاءة، فهِي عَادَة وطَريقَة؛ تَجعَل مَن يُمَارسهَا؛ يَضرِب عِدّة عَصَافير بحَجرٍ وَاحِد، فهي قَد تَكون عِبَادَة، وتَكريمًا للذِّهن، وتَوسيعًا للمَدَارِك، وفِي ذَلك يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (القِرَاءَة عِبَادَة وتَكريم للإنسَان، وسَبَب لامتلَاك البَصيرَة وتَهذيب النَّفس، وبَاب للإبدَاع وتَنميَة العَقْل، وتَوسِيع للمَدَارِك)..!

ولَا أُبَالغ إذَا قُلت: إنَّ الأَسبَاب التي تَجلب لِي السَّعَادَة؛ هي الحصُول عَلَى كِتَابٍ لَذيذ، يَجعلني أَستَيقظ فِي الصَّبَاح البَاكِر، وأَنَا أُمنِّي النَّفس بقِرَاءته، وكَأنَّني أَقوم؛ لأَجني أَربَاح فِي شَرِكَةِ مُسَاهمة، أَو أَستَعدُ للقَاءٍ غَرَامي يَتم للمَرَّةِ الأُولَى، وقَد لَمَحتُ هَذا الشَّغف عِند الأَسبَقين، فهَذا الإمَام «ابن الجوزي» يَقول: (وإنِّي أُخبِرُ عَن حَالِي، مَا أَشبَع مِن مُطَالَعَة الكُتب، وإذَا رَأيتُ كِتَابًا لَم أَرَه، فكَأنَّي وَقعتُ عَلَى كَنزٍ)..!

أَكثَر مِن ذَلك، هُنَاك مُتْعَبون يَبْحَثون عَن عَصير اللَّيمون، ليُريحوا أَعصَابهم، ومُتْعَبون آخَرُون -مِن أَمثَالِي- يَشرَبون العَصير، ويُضيفون إليهِ كِتَابًا، يَستَجلب الهدُوء، ويَستَدعي الرَّاحَة، وقَد أَثْبَتَت الدِّرَاسَات أَنَّ القِرَاءَة رِيَاضَة نَفسيَّة، تُكوِّن الإحسَاس بالأُنس والمُتْعَة، وأَثبَتَت الدِّرَاسَات الحَديثَة أَيضًا، أَنَّ القِرَاءَة مُريحَة للأَعصَاب..!

وقَد لَاحظتُ مُلَاحَظَة -لَاحظهَا قَبلي خَلقٌ كَثير-، وهي أَنَّ المُحبِّين للقِرَاءَة، والمُمَارِسِين لَهَا، يَكون التَّوَاصُل وتَبَادُل الأَفكَار مَعهم سَهلًا، حَيثُ يَمشِي عَلى قَدرٍ كَبيرٍ مِن الوضُوح، والدِّقَة والفَاعليَّة، ولَا عَجَب فِي ذَلك، فكُلّ الدِّرَاسَات تَقول: (إنَّ القِرَاءَة تُنمِّي القُدرة عَلَى الاتِّصَال الفَعَّال مَع الآخَرين، وقِرَاءَة أَفكَارهم وتَحليلهَا، ومُنَاقَشَة وتَبَادُل الآرَاء مَعهم)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّ الأُمَم المُتحضِّرة تَفوَّقت عَلينَا فِي مَجَال الصِّنَاعَة، لأنَّهَا أَدرَكَت- مُنذ زَمنٍ طَويل- أَهميّة صِنَاعة الإنسَان؛ عَلَى أُسسٍ سَليمَة، تُحقِّق مُعجزَات، أَهمّها قُدرة إنسَانهم؛ عَلَى الصِّنَاعَة والابتكَار والإنجَاز، وقَد وَضع الفَيلسوف «فرانكلين» ثَلَاثَة أَضلَاع لمُثلَّث صنَاعة الإنسَان، أوّلهَا القِرَاءَة حِينَ قَال: (القِرَاءَة تَصْنَع رَجُلًا كَامِلًا، والتأمُّل يَصْنَع رَجُلًا عَميقًا، والمُحَادَثَة تَصْنَع رَجُلًا وَاضِحًا)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store