Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

سكان كندا الأصليون: شعب كامل تحت الاضطهاد (1)

وشدّني تقرير مفصَّل دقيق وموثَّق صادر في 27 مارس 2018م، أصدرته (Indigenous Corporate Training Inc)، ضم ثماني قضايا محورية يعاني منها السكان الأصليون في كندا، وتُمثِّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وتعتبر شديدة التعقيد والالتباس إلى الدرجة التي أوقفت الحكومة الكندية والباحثين وصُنَّاع القرار في كندا، عاجزين أمام خطورتها وفداحتها

A A
خلال دراستي في مرحلة الدكتوراه في أمريكا في الثمانينيات الميلادية؛ كنت مهتماً كثيراً بلغات وثقافات مَن يُسمّون بـ»الهنود الحمر»، وهم ليسوا هنوداً وليسوا حمراً، وإنما هم الأمريكيون الأصليون الوحيدون (Native American)، وهو الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم ويعتزون به، وتذكر كتب التاريخ الأمريكي صراحةً ما تعرَّض له السكان الأصليون من اضطهادٍ وظلم وسفك دماء وسلب للأراضي والممتلكات منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها قدم (الرجل الأبيض)، أرض (العالم الجديد)، الاسم الذي كان يُطلق على أمريكا، وليست حال السكان الأصليين اليوم، أفضل كثيراً من حالهم في القرون الأولى من تأسيس أمريكا قبل وبعد استقلالها عن بريطانيا، فهم مازالوا يعيشون في معسكرات أو مخيمات إيواء، (Indian Reservations)، معزولة عن المدن الأمريكية، ويُؤتَى لهم بالطعام كما لو كانوا لاجئين من دولةٍ لأخرى، وقد زرناهم في معسكراتهم أكثر من مرة في الثمانينيات، وشهدنا بأعيننا ما يعيشونه من بؤسٍ وفقر وسوء حال، وهم شعب في تناقضٍ مستمر، بسبب عدم تزاوجهم وانتشار المخدرات والانتحار بين أوساطهم. وحين أقول: إن تلك حال السكان الأصليين في أمريكا، فإني أقصد أمريكا الشمالية القارة وليس الدولة، فمعاناة السكان الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية هي نفسها معاناتهم في كندا، ويُطلق عليهم في كندا اسم (Aboriginal)، وقد قرأت تقارير عدة عن معاناتهم، من التمييز ضدهم الذي تُمارسه الحكومة الكندية، حتى أنهم يعاملون وكأنهم ليسوا مواطنين، قبل أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وشدّني تقرير مفصَّل دقيق وموثَّق صادر في 27 مارس 2018م، أصدرته (Indigenous Corporate Training Inc)، ضم ثماني قضايا محورية يعاني منها السكان الأصليون في كندا، وتُمثِّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وتعتبر شديدة التعقيد والالتباس إلى الدرجة التي أوقفت الحكومة الكندية والباحثين وصُنَّاع القرار في كندا، عاجزين أمام خطورتها وفداحتها، «كما ذكر التقرير نصاً»، وذكر التقرير نصاً أيضاً أن ما يُسمَّى بـ»القانون الهندي» في كندا، هو الذي تسبَّب في كل تلك المعاناة المروعة.

وتتلخَّص هذه المعاناة في الآتي:

أولاً- أوضاع صحية متردية: فالسكان الأصليون هم الأكثر عُرضة في كندا، للإصابة بالأمراض الفتَّاكة والموت المُبكِّر، مقارنةً بالسكان غير الأصليين (المهاجرين)، ومعدل إصابة أطفال السكان الأصليين بمشكلات الجهاز التنفسي والأمراض المعدية أعلى بكثير من أقرانهم من السكان غير الأصليين، وتعتبر مشكلات السكن غير الملائم والظروف المعيشية المكتظة، أسباباً مباشرة لتردي الوضع الصحي.

ثانياً- مستويات تعليم متدنية: حسب إحصائيات أجريت عام 2011م على السكان الأصليين تأكَّد أن 22.8% منهم فقط أكملوا تعليمهم الثانوي وما بعده، وهي نسبة متدنية جداً في دولة تعتبر نفسها من الدول الرائدة في التعليم في العالم كله، وتستضيف آلاف الطلاب الأجانب في جامعاتها.

ثالثاً- السكن غير الملائم والأوضاع المعيشية المزرية: في كثير من «المستعمرات» أو (Reservations) المعزولة، التي يعيش فيها السكان الأصليون في كندا، تلفت الأوضاع المعيشية المزرية انتباه وسائل الإعلام المحلية والعالمية التي تبرز الظروف السكانية الخانقة التي تعاني منها مجتمعات السكان الأصليين، حتى إن الأوضاع البشعة التي يعاني منها مجمع «أتواباسكيت» -على وجه الخصوص- لفت انتباه الأمم المتحدة، وكُتبت عنه تقارير تثير الفزع والاشمئزاز.

وسأُبيِّن في مقالةٍ قادمة بقية صنوف المعاناة المروّعة التي يعيشها السكان الأصليون في كندا على أرض آبائهم وأجدادهم، مقابل ما يُوفَّر لغير الأصليين من الرخاء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store