Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

حسان مطر وآخرون في الذاكرة المكية

A A
في السنة الجامعية الأولى في كلية الشريعة بمكة المكرمة، وكان ذلك في بداية التسعينيات الهجرية، حظينا بمعرفة العديد من أبناء الوطن القادمين من نواحٍ مختلفة فيه، وكان بين الطليعة من هؤلاء الدكتور حمد المرزوقي، وكان آنذاك معيدًا في كلية التربية، وكان شخصية فريدة في تتبّعها للثقافتين؛ العربية والغربية. كما حظيت شخصيًا بزمالة وصداقة الدكتور عثمان الصيني، وكان ما يجمع بينه وبين المرزوقي هو التخرج من دار التوحيد في مدينة الطائف. وكان عدد من المعيدين والدارسين في قسم اللغة العربية، والذي تهيأ لي مقعد فيه، ينفتحون علينا، ثقافةً وأدبًا، في مقدمتهم الدكتور محمّد يعقوب تركستاني، والدكتور عبدالله باقازي، والأستاذ طالع الحارثي -رحمه الله-. وأتذكّر أنّني وزميلي الدكتور «الصيني» سعينا عن طريق الأستاذ الحارثي للقيام بزيارة للرمز الأدبي القابع في نافذة داره في حي المعابدة، أعني به الأستاذ الكبير الرائد حسين سرحان -رحمه الله-. وكان ديوانه «أجنحة بلا ريش»، والذي كان وراء إخراجه العلامة الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، يتم تداوله بطريقة سرية لظروف معينة، وكذلك كان شعر شحاتة، الذي عاش بعيدًا عن أرض الوطن، ثم قدم إليها محمولاً على الأكتاف -رحمه الله-.

أشرت إلى أننا سعينا إلى لقاء سرحان، ولكن إرادة الله لم تشأ لنا أن نلتقي بمن قال في وصفه الراوية محمّد حسين زيدان: «.. ثمّ جاء السرحان، بدويٌّ في ثوب حضري، حضري تهتز أردان البداوة فيه، أخلط شعره مع شعراء العصر العباسي الثاني، فكان كأنه واحد منهم».

وكان المنزل الذي حللنا فيه، في حي «الششة» بمكة تقع فيه دار أخينا الأستاذ المربّي حسّان مطر -رحمه الله-. والذي لعله زامل عزيزنا الأستاذ الدكتور يوسف أحمد حوالة في قسم التاريخ بالكلية نفسها، فدعانا ذلك الشاب الطلعة لزيارته في داره، والتي وجدنا فيها عددًا من أبناء مكة المكرمة، والذين توثقت علاقتي بهم فيما بعد، وكان في مقدمتهم السيد سعيد شطا، والذي عرف بتهذيب القول، وصدق المودة، وصنع المعروف.

وسار مركب الحياة بنا؛ صعودًا وهبوطًا، فكنت بين الحين والآخر أرى هذا الحسّان في بعض المناسبات الاجتماعية في مكة المكرمة، حرسها الله، وكان كما عرفته أول مرة؛ أنيقًا في ملبسه، ودودًا في حديثه، كريمًا في عطائه مع أحبابه، ولا يبخل عليهم بما جاد الله به عليه. وكان والده، رحمه الله، محمد علي مطر، من التجار المعروفين في جودرية مكة المكرمة. كما عرفت من الوالد المرحوم الشيخ عبدالله بصنوي أن أسرة آل مطر كانت تتوطّن حي الشامية، وذلك قبل التوسعة السعودية الأولى للمسجد الحرام، وإن هي نزحت لظرفٍ أو لآخر إلى أطراف مكة المكرمة؛ إلا أنها بقيت على صلة بحيّها الأول القديم. وأزعم أن الوجيه «البصنوي» كان أكثر من عمدة، وأقرب على أهل العلم والمعرفة والأدب. ثم أشاحت الحياة، كما تفعل دومًا، بوجهها عن شخصية الأستاذ مطر، ونسيه جلّ من شباب الأمس، والذين كانوا يحظون بعطفه ورعايته، وعندما سألتُ أحدهم قبل مدة: أين أخونا حسّان، فأجابني بلغة فيها شيء من العقوق، على الأقل من وجهة نظري: «نحن لم نره منذ عقد كامل من الزمن»، فقطعت الطريق بين مكة المكرمة وجدة تبللني الدموع، لأنني عرفت الرجل، وحظيت بما يحظى به كل نزيل وقادم ومتوطن في ديار البلد الحرام. وعندما عرفت من الزميل الأستاذ خالد الحسيني نبأ وفاة «حسّان» في ثلوثية عزيزنا «أبوالشيماء»؛ حزنت لفقده، ولم أجد سبيلاً لتقديم التعزية فيه، سوى هذه المقالة المتواضعة، سائلاً له من الله الرحمة والمغفرة والرضوان، ولأهله الكثير من الصبر والسلوان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store