Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الموسى والقنفذة.. تراجيديا الوصاية

الأمر العجيب أن الدكتور عندما لم يقتنع بكلية الطب في القنفذة لم يطالب بأن يتم قبول خريجي ثانويات تعليم القنفذة في جامعات الوطن بعيدًا عن المناطقية، وفق ضوابط ومعايير عادلة ومنافسة شريفة مع غيرهم، إنما طالب (باستقطاع) نسبة قبول لهم على غرار أسلوب (المحاصصة) وكأن طلاب القنفذة (نكرات) لا ينتمون للوطن الكبير

A A
قبل فترة خرج علينا الدكتور علي الموسى في عموده بـ»الوطن» مؤكدًا أن الكلية الجامعية بالقنفذة تمنح درجة الدكتوراه -وأقصى ما تمنحه البكالوريوس- وهاهو يعود في الصحيفة نفسها وفي مقاله المعنون بـ(#تصريح_مدير_جامعة_شقراء) مشكِّكًا هذه المرة في حصول طلاب كلية الطب في القنفذة على «بيئة تعليمية». فهو يرى أن التوسع الكمي في التعليم العالي لن يحقق «الحد الأدنى من معايير التعليم النوعية»، وكأني به يقول إن الجامعات والكليات الناشئة لا تفي بالغرض الذي من أجله قامت؛ نظرًا لكونها في مناطق نائية، ولتواضع هيئتها التدريسية، ولقلة إمكاناتها، ما ينعكس سلبًا على مخرجاتها. لا أنفي أن في كلامه شيئًا من الصحة التي تتفاوت من مكان لآخر ومن ظرف لآخر، لكن، إن كان يرى أن الجامعات والكليات الناشئة أو ما يسمى جامعات الأطراف وكلياتها لا تحظى بالحد الأدنى من معايير التعليم النوعية، ويعتبر ذلك (قاعدة ثابتة) في الأحوال كلها، فهذا يعني أن خريجي جامعاتنا وكلياتنا العريقة -خاصة الخريجين الأوائل- لم يكونوا على كفاءة وتأهيل؛ كونها بدأت بإمكانات بسيطة، وهيئات تدريسية متواضعة، وبعضها قام في أطراف الوطن. بل لو طُبقت هذه القاعدة على جامعته التي تخرج منها ويعمل فيها (جامعة الملك خالد) وقيل عنها -عند تأسيسها- ما قاله عن كلية الطب في القنفذة فهذا يعني أن خريجيها الأوائل ليسوا بتلك الكفاءة والتأهيل؛ كونها بدأت بفرعين بسيطين وبإمكانات محدودة وفي مكان قصي من خارطة الوطن، ومع كل البدايات المتواضعة لجامعاتنا بما فيها جامعة الملك خالد إلا أنها تجاوزت ضعف البدايات وأصبحت اليوم جامعات رائدة وعريقة، ولو رضخت للتثبيط لما قامت. الدكتور (يعلم جيدًا) أن الجامعات جنحت مؤخرًا للاكتفاء بطلاب مناطقها في عملية (مناطقية) مقيتة ومضادة للُّحمة الوطنية، وبالتالي حينما يذهب خريجو ثانويات تعليم القنفذة لجامعة الملك خالد وغيرها يجدون الرفض، حتى وهم يذهبون لجامعات منطقتهم (مكة المكرمة) يجدون الرفض أيضًا، وقبل ذلك كانوا ضحية ما يسمى (السنة التحضيرية) التي جِيء بها بعد أن قال أحد أساتذة جامعات منطقة مكة (لقد زاحم طلاب الجنوب أبناءنا)، ولذا لم يكن أمام أهالي القنفذة إلا طلب كلية طب لتحتضن أبناءهم المتميزين. الأمر العجيب أن الدكتور عندما لم يقتنع بكلية الطب في القنفذة لم يطالب بأن يتم قبول خريجي ثانويات تعليم القنفذة في جامعات الوطن بعيدًا عن المناطقية، وفق ضوابط ومعايير عادلة ومنافسة شريفة مع غيرهم، إنما طالب (باستقطاع) نسبة قبول لهم على غرار أسلوب (المحاصصة) وكأن طلاب القنفذة (نكرات) لا ينتمون للوطن الكبير. الدكتور يرى أن الآباء في القنفذة بإدخالهم أولادهم كلية الطب في القنفذة فإنهم يضحون بمستقبلهم، متجاهلاً أن اكتفاء الجامعات العريقة بقبول طلاب مناطقها في الطب وغيره فيه أيضًا تضحية بمستقبل الطلاب ذوي الدرجات غير العالية الذين أَخذوا مقاعد طلاب القنفذة المتميزين وبالتالي سيتعثر هؤلاء الطلاب المقبولون وينسحبون بعد ضياع سنوات من أعمارهم. الدكتور يحذِّر أهالي القنفذة من (ثقافة المعاريض) ويؤكد أنه «يجب ألا يرضخ لها أي قرار مصيري»، وكنت أرجو أن تتسع قاعدة التحذير لديه فتشمل إلى جانب ثقافةِ المعاريضِ (ثقافةَ المناطقية) المقيتة المتفشية مؤخرًا، فلا يرضخ لهذه الثقافة أيضًا أي قرار مصيري يخدم طلاب الوطن كافة ويهدف لمساواة فرص قبولهم كافة في الجامعات كافة. كلية الطب في القنفذة قامت وانطلقت في زمن المعرفة والتقنية والاتصال وتوفر الإمكانات، وستأخذ مكانها ومكانتها؛ كونها بدأت من حيث انتهى الآخرون وبإمكانات تفوق ما بدأوا به، ثم ألا يرى الدكتور أن أربعين سنة مرت على قيام كلية الطب بأبها -التي حصرت القبول في طلاب منطقته- كافية ليتم منح القنفذة حقها في كلية طب مماثلة، أم أن مأساة الوصاية تأبى إلا أن تظل ماثلة؟!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store