Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

التأليف.. بين الحقيقة والتحريف!

الحبر الأصفر

A A
يَتدَاوَل النَّاس فِي وَسَائِل التَّوَاصُل الاجتمَاعِي، أَخبَارًا كَاذِبَة، وأَحَاديث كَاذِبَة، وقصَصًا كَاذِبَة، وعَلَى القَارئ الحَصيف أَنْ يُفَلْفِل النّصُوص، ويُغربل المَقولَات، ليتَأكَّد مِن صحّتها سَندًا، ومِن صحّتهَا مَضمُونًا أَيضًا..!

ومِن هَذه القصَص التي يَتدَاولهَا النَّاس هَذه القصَّة:

(قَال أَعرَابي لامرَأتهِ: (أَنتِ طَالِق حَتَّى «حِين»).. ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلك، وأَرَاد أَن يَردّها؛ إلَّا أنَّه احتَار فِي تَفسير كَلِمَة «حِين».. فذَهَبَ إلَى الرَّسول- عَليه الصَّلَاة والسَّلام- ليَسأَله: مَتى يَعود إلَى زَوجتهِ، فلَم يَجده -صلَّى الله عليه وسلَّم- فِي بَيتهِ وَقتهَا، فذَهَبَ إلَى أَبي بَكر -رَضي الله عَنه- وسَأَلَه عَن تَفسير كَلِمَة «حِين»، فقَال أَبوبَكر: حُرِّمت عَليكَ زَوجَتك حَتَّى المَوت، ولَا تَحلُّ لَك.. فتَركه، وذَهَبَ إلَى عُمر بن الخطَّاب -رَضي الله عَنه- وسَأَلَه نَفس السُّؤَال، فقَال لَه: حُرِّمت عَليكَ أَربعين سَنَة.. فتَركَه، وذَهَبَ إلَى عُثمَان بن عفَّان -رَضي الله عَنه- وسَأَلَه، فقَال: حُرِّمت عَليكَ عَامًَا كَامِلًا.. فتَرَكَه، وذَهَبَ إلَى عَلي بن أَبي طَالِب -كَرَّم الله وَجهه- وسَأَلَه، فقَال: حُرِّمت عَليكَ لَيلة وَاحِدَة.. فتَرَكَه، ولَكنَّه احتَار بأَي الآرَاء يَأخُذ، فِي تَفسير مَعنَى «حِين»..!

فعَادَ إلَى الرَّسول -صَلَّى الله عَليه وسَلَّم-، فوَجده فِي بُستَان، وحَكَى لَه مَا حَدَث، وقَصَّ عَليه الآرَاء في تَفسير كَلِمَة «حِين»، فقَال الرَّسول -عَليه الصَّلَاة والسَّلام- اجلِس، وأَرْسَلَ إلَى أَصحَابه، ولَمَّا جَاءُوا سَأَلهم: لِمَاذَا يَا أَبَا بَكر حَرَّمتَ عَليه زَوجته حَتَّى المَوت؟، فقَال: مِن القُرآن يَا رَسول الله، يَقول تَعَالى: (فمتَّعناهم حَتَّى حِين)، ومَعنَى «الحِين» هُنَا، حَتَّى المَوت.. فسَكتَ رَسول الله وقَال: وأَنتَ يَا عُمر؟، قَال: مِن القُرآن يَا رَسول الله، يَقول تَعَالَى فِي أوّل سُورة الإنسَان: (هَل أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِينٌ مِن الدَّهرِ لَم يَكُن شَيئاً مَذكُورا)، و»الحِين» هُنَا، أَنَّ آدَم مَكثَ فِي الجَنَّة أَربعين سَنَة؛ قَبل أَنْ يَنزل إلَى الأَرض.. فسَكتَ رَسول الله وقَال: وأَنتَ يَا عُثمَان، لِمَاذَا حَرَّمتَ عَليه زَوجته عَامًا، قَال: مِن القُرآن يَا رَسول الله، يَقول تَعَالَى: (مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كشَجرةٍ طَيّبَة تُؤتي أُكلهَا كُلّ حِينٍ)، و»الحِين» هُنَا أَكثَر الثَّمَر يُثمر كُلّ عَامٍ مَرَّة. فسَكتَ رَسول الله وقَال: وأَنتَ يَا عَلي؟، قَال: مِن القُرآن يَا رَسول الله، يَقول الله تَعَالَى: (فسُبحَان الله حِينَ تُمسون وحِين تُصبِحُون)، و»حِين» هُنَا تَعنِى لَيلة.. فقَال الرَّسول -صلَّى الله عَليهِ وسَلَّم- للأَعرَابي: خُذ برَأي «عَلي بن أَبى طَالِب»، فإنَّه أَيسَر لَك).. انتَهَت!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: هَذه القصَّة يَتدَاولهَا كَثيرٌ مِن النَّاس؛ إلَّا أَنَّني عِندَ بَحثِي عَنهَا، لَم أَجدُ لَهَا أَثرًا فِي كُتب السنَّة، وهِي تَحتَمل أَحَد أَمرين: إمَّا أَنْ تَكون صَحيحَة، وهَذا مَا أَستبعدُهُ بنَاءً عَلَى بَحثِي.. أَو تَكون مِن القصَص المُخْتَلَقَة.. وإنْ كَانَت مِن النَّوع الأَخير، فإنَّ فِيهَا رَوعةُ الحَبْك، وجَودةُ الإتقَان، وتَنمِيقُ الكَذِب..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store