Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

الاحتفاء بالحياة.. طوق النجاة

الحبر الأصفر

A A
لَا يَكفِي أَنْ تَتنفَّس؛ لتُثبت أَنَّك عَلَى قَيد الحيَاة، بَل الأحيَاء هُم الذين يَشعرون بالامتنَان لكُلِّ لَحظَة، مَهمَا طَالَت بِهم الأَعمَار أَو قَصُرت.. فقَديماً قَال أَجدَادُنَا: إنَّ النَّوم للكَلب و»الهلبَاج»، وقَالوا: إنَّه لـ»الرّخُوم»، وكُلُّ ذَلك يُؤكِّد؛ أَنَّ مَن يُريد الاستمتَاع بالحيَاة، عَليهِ أَنْ لَا يَنَام إلَّا قَليلاً، وقَد أَحسَن المَثَل الأَلمَانِي حِينَ قَال: (النّوم أَخطَر لِصٍّ يَسرق الحيَاة)..!

ولأنَّ الحَيّ كَائِن مُتغيِّر؛ فهو يَنمُو، وكُلّ الأشيَاء تَنمُو مِن حَولهِ وتَتغيَّر، وإذَا كَانت الأمُور جَامِدَة؛ فهَذه كَارثَة، وفِي ذَلك يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (إذَا بَقِيَت الأَشيَاء فِي حيَاتِك عَلَى حَالِهَا، فاعلَم بأنَّك لَم تَتغيَّر).. فالحيَاة لَهَا صورٌ مُتعدِّدة، وكُلٌّ يَرَاهَا بمِنظَارهِ، ولَكَ أَنْ تَتخيَّل الحيَاة وفق هَذه المَنَاظِير؛ التي لَخَّصهَا أَحد الأُدبَاء فِي قَوله: (الحيَاة تَجَارُب فِي نَظَر كِبَار السِّن، والحيَاة كِفَاحٌ فِي نَظَر الأَقويَاء، والحيَاة قَصيرةٌ فِي نَظَر الضُّعفَاء)..!

والسُّؤَال هُنَا: مَتَى تَكون حيَاة الفَرد صَحرَاء قَاحِلَة وجَافَّة؟.. هَذا سُؤال أَجَاب عَنه أَحَد الأُدبَاء قَائِلاً: (إذَا لَم تَكُن فِي حيَاة الوَاحِد مِنَّا أَحداثٌ؛ تَستَحق المُرَاجعَة أَو الاغتبَاط، أَو لَا يَستَفيد مِن ذِكرها أَحَد، فهَذا دَليلٌ عَلَى أَنَّها حيَاة قَاحِلَة ومُجدبَة)..!

والسُّؤال الآخَر: كَيف نَنظُر إلَى التَّغيُّرات فِي حيَاتِنَا؟.. إنَّه سُؤالٌ بَسيط؛ أَجَاب عَنه أَحَد الأُدبَاء قَائِلاً: (بَعض النَّاس؛ يَنظرُون إلَى مَا يَطرَأ عَلَى حيَاتِهم مِن تَغيُّرات؛ عَلَى أَنَّه تَهديد لَهم، أمَّا الإنسَان النَّاضِج؛ فإنَّه يَعلَم أَنَّ الحيَاة مَزيجٌ مِن السَّعَادَة والشَّقَاء، والنَّجَاح والإخفَاق، ولهَذا يَتكيَّف مَع كُلِّ الظّرُوف، ويَجد نَوعاً مِن السَّكينَة فِي كُلِّ الأَحوَال)..!

وإذَا مَرَرتَ بالحيَاة، فحَاول أَنْ تَتطلَّع إلَى الأَفضَل، والأَجمَل والأَكمَل، ولَا تَكُن مِثل أُولئِكَ الذين عَنَاهم أَحَد الفَلَاسِفَة بقَولهِ: (إنَّ بَعض النَّاس يَمرُّ بالحيَاة؛ كَمَا يَمرُّ الكَنَّاس بدَكَاكين الصِّنَاعَة، لَا يَنظُر إلَى حِلية أَو زَخرَفَة، لأنَّ الأَمر لَا يَعنيهِ، أَو كَمَا يَمرُّ الفَلَّاح الأَجير بالسَّنَابِل الحَافِلَة، والثِّمَار الطَّالِعَة، فلَا يُفكِّر إلَّا فِي أُجرتهِ وحَسْب)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: لَو أَردنَا أَنْ نُشبِّه الحَيَاة؛ لوَجدنَا أَمَامنا قَامُوساً مِن التَّعريفَات، ولَكن أَكثَرهَا تُنسَى بسُرعة، غَير أَنَّ بَعضها يَستَحق التَّأمُّل، ومِن المُستَحيل أَنْ تَنسَاه لطَرَافتهِ وغَرَابتهِ، مِثل تَعريف ذَلك الأَديب الذي يَقول: (الحيَاة كَأنَّها لُغَة أَجنبيَّة؛ يُخطئ الكَثيرون فِي نُطقِهَا)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store