Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

جدلية الاستغناء عن عمل الأطباء!

الحبر الأصفر

A A
مِن غَرَائِب المُفَارَقَات فِي عَالَم الطِّب، أَنَّ المَرْضَى -فِي الغَالِب- لَا يَثقُون بالأطبَّاء، ومَع ذَلك يَتردَّدون عَلَى عيَادَاتِهم، ويَستَمعُون إلَى نَصَائِحهم، ويَتَّبعون وَصفَاتهم، وقَد أَكَّد هَذه الفِكرَة شَيخنَا الفَلسفي "غوته" حِينَ قَال: (إنَّه لأَمرٍ عَسير، أَنَّ المَرء لَا يُمكنه الوثُوق تَمَاماً بالأطبَّاء، ومَع ذَلك لَا يُمكنه الاستغنَاء عَنهم).. لِذَا أَقول: إذَا كُنتَ مَريضاً، فابحَث عَن الطَّبيب الخَبير، الذي أَمضَى فِي المهنَة سَنوَات، لأَنَّ خِبرته ستَكون تَرَاكميَّة، وهَذه الخِبرَة قَد لَا تَكون مُفيدة فِي مِهَنٍ أُخرَى، مِثل الحِلَاقَة، لِذَلك ابْحَث عَن الطَّبيب الخَبير، امتِثَالاً لنَصيحة الرَّئيس الأَمريكي الأَسبَق "بنجامين فرانكلين" التي يَقول فِيهَا: (احتَرس مِن الطَّبيبِ الشَّاب، والحَلَّاقِ العَجُوز)..!

وقَد أَصَابني ذَات يَوم مَرضٌ، وكُلُّ طَبيب أَذهَب إليهِ، يُعطِيني وَصفَة مُختَلِفَة؛ عَن الطَّبيب الذي سَبقه، وحِينَ بَحثتُ عَن إجَابَة لهَذَا الاختلَاف الكَبير، بَين أَصحَاب المِهنَةِ الوَاحِدَة، لَم أَجد مَا يُشفي الغَليل، لَكنَّني قَرأتُ مُؤخَّراً عِبَارة للأَديب "تشيخوف"، يَقولُ فِيهَا: (عِندَمَا يَقتَرحون عَليك عِدَّة عِلَاجَات لمَرضٍ وَاحِد، فهَذا يَعنِي أَنَّه لَا يُمكن عِلَاجه)..!

وكَمَا أَنَّ هُنَاك أَمرَاضاً تُصيب الجَسَد، فإنَّ هُنَاك أَمرَاضاً نَفسيَّة أَخطَر مِنهَا، ولَو سَألتُم: مَا هِي هَذه الأَمرَاض الطَّبيعيَّة؛ التي قَد تَكون سَبباً لمَشَاكِل الإنسَان الصحيَّة؟.. سيُجيبكم الفَيلسوف "بليز باسكال" قَائِلاً: (مَرَض الإنسَان الطَّبيعي، إيمَانه أَنَّه يَمتَلك الحَقيقَة)..!

أَكثَر مِن ذَلك، كُلنَا نَعرف مَرض البَدَن، ولَكن مَن الذي يَعرف مَرض النَّفس؟.. إنَّه الإمَام "ابن القيّم" حَيثُ يَقول: (كَمَا أَنَّ البَدن إذَا مَرض؛ لَم يَنفَع فِيهِ الطَّعَام ولَا الشَّرَاب، فكَذلك القَلب إذَا مَرض بالشَّهوَات، لَم تَنفَع فِيهِ المَواعِظ)..!

وهُنَاك عَوَامِل تُؤثِّر عَلَى أَطوَار الإنسَان، لتَأخذ مُنحنيَات غَريبَة، فتَصدر عَنه سلُوكيَّات وتَصرُّفَات؛ لَم يَعهدهَا عَنه مَن هُم حَوله، وقَد حَصرَ القَاضي "الفضيل بن عيّاض" تِلك العَوامِل فِي: المَرَض والصَّوم والسَّفَر، ونَصحنَا بالتمَاسِ العُذر للمَريض، والصَّائِم والمُسَافِر، قَائلاً: (ثَلَاثة لَا تَلُمْهم عِند الغَضَب: المَريض والصَّائِم والمُسَافِر)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: لَا تَتعجَّبُوا حِينَ تَجدون المَرء يَهتَم بالحيَاة، ولَكن تَعجَّبوا حِينَ يَهتَم بالمَوت، فهَل الاهتمَام بالمَوت لَه ارتبَاطٌ بالحيَاة؟.. يُجيب عَن هَذا السُّؤال الأَديب "توماس مان" قَائِلاً: (الاهتمَام بالمَرَض والمَوت؛ مَا هو إلَّا صورَة مِن صوَر الاهتمَام بالحيَاة)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store