Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

إبداعات في المديح النّبويّ.. السيد «الكتبي» نموذجًا

رؤية فكرية

A A
فن المديح النّبويّ أحد الفنون الشعرية التي أبدع فيها الشعراء، وصدحت بها القوافي السيّارات، حبًّا في ذات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وشمائله الكريمة، وصفاته السَّنيَّة، التي انعكست آثارها على إبداعات هؤلاء الشعراء. وكانت بداية شعر المديح ما صاغه وأبدع فيه بعض من شعراء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، مثل حسّان بن ثابت، وكعب بن مالك الأنصاري، وعبدالله بن رواحة..

ولعنا نجتزئ أبياتًا مما أبدعه الصحابي الجليل سيدنا حسّان بن ثابت، في رثاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي أبيات تدلل على تعلق صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنبيهم وحبيبهم المصطفى، وشفيعهم في يوم المعاد والجزاء الأوفى، وكثيرًا ما قرّب الحب الصادقين ونأي بالجفاة الغليظين، يقول سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه:

بِطيْبةَ رَسمٌ للرَّسُولِ ومَعْهدُ مُنيرٌ، وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وتَهْمَدُ

ولا تَمَّحِي الآياتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ بِها مِنْبرُ الهادِي الذي كانَ يَصْعَدُ

وواضِحُ آثارٍ وباقي مَعالِمٍ ورَبْعٌ لَهُ فيه مُصَلَّى ومَسْجِدُ

إلى أن يقول رضي الله عنه:

فَبُورِكتَ يا قَبْرَ الرَّسُولِ وبُورِكَتْ بِلادٌ ثَوَى فيها الرَّشيدُ المُسَدَّدُ

وبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ طَيِّبًا عليهِ بِناءٌ مِنْ صَفِيْحٍ مُنَضَّدُ

[انظر: ديوان حسان بن ثابت، الجزء الأول، طبعة أمناء سلسلة جب التذكارية، تحقيق الدكتور وليد عرفات، ص: 455]

بل إن كتب الأدب حملت إلينا قصيدة من شعر عمّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أبي طالب عندما تعرَّض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمضايقات من بعض كفّار قريش، فكتب أبوطالب تلك القصيدة الرائعة ومن أبياتها الصادقة والمؤثرة قوله:

واللهِ لَنْ يَصِلُوا إليكَ بِجَمْعِهِم حتّى أُوسَّدَ فِي التُّرابِ دَفِينا

وفي العصور المتأخّرة برزت أسماء أبدعت في هذا الميدان الشعري، وتركت تراثًا يستحقّ القراءة والتبصّر والإفادة، ومن هذه الأسماء الإمام البوصيري، وعبدالرحيم البرعي. وفي الحقبة المعاصرة فإن شيخنا علامة اللغة والأدب والتاريخ فضيلة السيد محمد أمين الكتبي الحسني يعد من أبرز من صاغوا قصيدة المديح النّبويّ، بعيدًا عن نَظم الفقهاء، فهي أقرب إلى الروح التي تسري وتنعش الفؤاد، وتتركك محلقًا في أجواء الحب الصادق، والعشق المنزّه، والصفاء المنوّر.

وإتمامًا لهذه التوطئة فلقد حرصنا بتوفيق الله وتيسيره على تدوين نصٍّ شعري مؤثر لشيخنا العلامة «الكتبي»، رحمه الله رحمة الأبرار، يمتدح فيه صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وآل بيته رضي الله عنهم أجمعين، واختيارنا لهذا النص تحديدًا أنَّا وجدنا في طواياه سمات الإبداع من قوّة المفردة، وسبك العبارة، ونصاعة القول وجزالته، فوق ما في ذلك من روح الصدق الفياض، وأحاسيس المحبة والتوقير والاحترام المنشودة في هذه المقامات السَّنيَّة التي لا تتأتى إلا لمن صدق وأحب بكل جَنانه، ولك أن تنظر ذلك في روح هذه الأبيات من ديوان «نفح الطيب في مدح الحبيب، صلّى الله عليه وسلّم»، لفضيلة الشيخ العلامة السيد محمّد أمين الكتبي الحسني المكي، في صفحة 92، وفيها يقول:

إنَّ الَّذِي صَاغَ الفَضَا ئِلَ صَوْغَ مُقْتَدرٍ تَفَنَّنْ

حَلَّاكُمُو وحَبَاكُمُو مِنها بأَجْمَلِها وزَيَّنْ

أخْلاقُكُمْ أبَدًا كَمَا شَاهَدْتُهَا وَرْدٌ وسَوْسَنْ

الدِّيْنُ والنَّسَبُ الزَّكِـ ـيُّ الطُّهْرُ والحَسَبُ المُعَنْعَنْ

والنَّاسُ لَو وُزِنُوا بِكُمْ كُنْتُمْ بِفَضْلِ اللهِ أَوْزَنْ

ما زلتُ مَسْرورًا بِكُمْ وهَواكُمُو عِنْدي مُدَوَّنْ

دَوَّنْتُهُ بِيَرَاعِ صِدْ قٍ فِي فُؤَادٍ لَمِ يُخَوَّنْ

ونَقَشْتُ حُبَّكُمُو على صَفَحَاتِهِ حتَّى تَمَكَّنْ

هكذا جرى سلسبيل المحبين لجناب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وآله الطيبين المباركين، وصحابته الميامين رضي الله عنهم أجمعين، شعرًا راقيًا، ونظمًا صادقًا، نقف عنده موقف المتأمل المحب، وننشده إنشاد المتأسين بسيرة الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، والغاية الأسمى أن نرد عليه الحوض غرًّا محجلين يوم ترجف الراجفة، لا زاد سوى المحبة، ولا شيء في صحائفنا سواها، فاللهم لا تحرمنا ذلك، واجعلنا في معية حبيبك المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يوم الحشر العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store