Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
إبراهيم محمد باداود

«عاصمة النور» في الظلام

A A
باريس عاصمة فرنسا وأكبر مدنها من حيث عدد السكان، هي المدينة التي احتارالناس في وصفها كونها مركزاً لقطاعات مختلفة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو علمية أو فنية أو ترفيهية، وهي مدينة الأناقة والجمال والموضة والترفيه حتى أُطلق عليها لقب (عاصمة النور) وأصبحت من مدن العالم الرئيسية.

باريس المدينة الجميلة والتي يسعد الكثير بزيارتها والتجول في معالمها الرئيسية تحولت قبل أكثر من إسبوعين إلى كابوس مفجع ومستمر وأصبح قلبها أشبه ما يكون بساحة حرب، حيث قام من أطلق عليهم اسم (أصحاب السترات الصفراء) من المحتجين والغاضبين من السياسات الاقتصادية لرئيس الوزراء الفرنسي والضرائب التي تم طرحها على الديزل والبنزين لتشجيع المواطنين على التحول لاستخدام وسائل نقل أقل ضرراً للبيئة بتصعيد مظاهر احتجاجاتهم مع الشرطة ودخلوا في مواجهات عنيفة مرددين النشيد الوطني وملوِّحين بالعلَم الفرنسي وعاقدين العزم للتوجه نحو قصر الأليزيه رافعين اللافتات التي كتب عليها (ماكرون ، استقالة) مطالبين بإلغاء الضرائب، فيما بدأت حصيلة الوفيات جراء تلك الاحتجاجات في الارتفاع وأصيب المئات من المدنيين ورجال الأمن.

إيقاف المتظاهرين وإطلاق الغاز المسيل للدموع وإغلاق ساحة الشانزليزيه بشكل كامل أمام المارة والسيارات وإقامة حواجز التفتيش وقيام رئيس الحكومة الفرنسية بلقاء وفد من المحتجين، كل ذلك لم يُنهِ الوضع أو حتى يخفف من التوتر المتصاعد بل إن ناطق الحكومة صرح قائلاً بأن (الحكومة لن ترضخ ولن تتراجع عن قراراتها)، فيما أكد ماكرون تمسكه بسياسته الاقتصادية ورفضه التخلي عن الضريبة المفروضة على الوقود والتي ستدخل حيز التنفيذ مطلع العام القادم، مما ساهم في تصاعد حدة تلك المظاهرات واشتعالها بتوافد المئات إلى محيط شارع الشانزليزيه ووقوع صدامات عنيفة وعمليات سطو على البنوك والمحال التجارية الكبرى والمطاعم وانتشر التخريب والتدمير وإحراق السيارات في قلب عاصمة النور حتى أصبحت في ظلام دامس.

(باريس) التي كانت ملتقى المعجبين من كل أنحاء العالم وكان أهلها مضرب المثل في الأناقة والفن والرقي والجمال، هاهي تخرب وتدمر وتحرق وتشوه نفسها بأيدي أهلها، وبالرغم من أن فرنسا ليست حديثة عهد بالثورات أو المظاهرات والتي عادة ما تبدأ بشكل مصغر ثم تتزايد إلا أنه كان من المأمول أن يلجأ المحتجون إلى سبل أكثرعقلانية ورقياً وهدوءاً وأن يقدموا حلولاً عملية منطقية بدلاً من طريقة التخريب والفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار.

أحداث مؤلمة تقع في فرنسا الآن من شأنها أن تضع حكومتها في موقف حرج للغاية، فإما أن تقوم بإقالة البرلمان أو أن تنصاع لطلبات المحتجين مما يفتح الباب مستقبلاً لتكرار مثل هذه الأحداث الدامية، وعودة الظلام في حال عدم الاقتناع بأي قرار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store