Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

الطب: حكمة

A A
من اللافت للنظر حقاً أنه في بلاد الشام كلها، «الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا»، وقد يمتد ذلك إلى العراق أيضاً، يُطلق على الطبيب: «الحكيم»، ويشتق من هذا الاسم كل الأسماء والصفات والأفعال ذات العلاقة، فيقول أحد المرضى: «جئت إلى دمشق لأتحكَّم»، أي لأتطبَّب، أو يقول: الحكمة في هذا المستشفى متميزة: أي الطبابة متميزة، وعليه لا يخاطب الطبيب بـ»يا دكتور» بل: «يا حكيم»، وهكذا، وأعتقد جازماً أن إطلاق: الحكمة على الطب لم يأتِ من فراغ، فالطبيب المعالج يلزمه أن يكون حكيماً، وأن يتحلى بالحكمة قبل أن يتحلى بعلوم الطب ويبرع في تخصصاتها الدقيقة، فالحكمة هي سنده في اتخاذ القرارات الحاسمة والمناسبة لإنقاذ أرواح الناس بإذن الله، والحكمة هي سبيله لحسن التعامل مع المرضى وتحمل شكاواهم المستمرة أو تذمرهم وانزعاجهم من إجراء طبي ضروري، ولكنه مؤلم أو مطوّل، وتقتضي الحكمة بالضرورة أن يشرح لهم هذا الحكيم أدق التفاصيل فيما فعله أو يفعله بما يهمهم ويمكن لهم فهمه، وأن لا يبالغ لهم في التفاؤل أو التشاؤم، وأن يوضح لهم أنه معالج فقط، وأن الشافي هو الله وحده مهما اتُّخِذت الأسباب، وأخلص الطبيب المعالج في عمله، كما تقتضي الحكمة الصبر على ذوي المريض، ولو بدر منهم ما يزعج الطبيب من نقد واستنكار، خصوصاً في حال وقوع الأخطاء الطبية، وبعضها يكون فادحاً للغاية بمعزل عن المضاعفات المتوقعة إثر عملية جراحية، إذ بات شائعاً أن يتعرض المرضى لمضاعفات خطيرة للغاية، يتطلب علاجها وقتاً طويلاً إثر عمليات تعتبر صغيرة مقارنة بعمليات القلب والأورام وسواها.

ومن عجب أننا بتنا نرى ملصقات في كل مستشفى عام أو خاص تحذر مما يسمى الاعتداء على الممارس الطبي جسدياً أو لفظياً في قانون يعاقب (المعتدي) بالسجن أو بغرامة بمئات الآلاف، وهو قانون محمود بالطبع ويردع كل من يعتدي على حرمة طبيب أو ممرض أو سواهما، ولكن لابد من إكمال هذا القانون بقانون مماثل يقضي بالمحاسبة القانونية الصادرة لكل ممارس طبي أهمل في عمله، أو تسبَّب في مضاعفاتٍ خطيرة لمريض، إثر خطأ طبي فادح، خصوصاً في العمليات الجراحية، وقبل هذا وذاك غياب الطبيب عن عيادته دون عذر شرعي (خصوصاً في المستشفيات الحكومية) وترك المرضى ممن لديهم مواعيد ينتظرون بالساعات الطويلة، ثم يُقال لهم بعد ذلك: إن الطبيب لن يأتي، ويُرحَّلون إلى مواعيدَ أخرى بعيدة، ويزدادون تكدساً، ثم لا يعطون حقهم من الوقت الكافي للكشف عليهم.

حدثني أحد إخوتي أنه كان عنده موعد في عيادة طبيب أردني في عمان، ووصل إلى العيادة واكتشف أنه كان المريض الوحيد في العيادة، وأخبرته الممرضة أن الدكتور سيتأخر لربع ساعة لأنه قادم من عجلون، فاقترح المريض أن يؤجل الموعد ولا داعي ليحضر الطبيب من أجله فقط، فبادرته الممرضة بالقول: إنه إن لم يأتِ يعرِّض نفسه للحبس أو الغرامة، ولو تكرر ذلك منه يمكن أن تسحب رخصة ممارسة المهنة لفترة، وحدثته عن قوانين أخرى صارمة للغاية في الأردن تنزل العقوبة بأي طبيب مقصر أو مهمل.

وأعلم علم اليقين أن السواد الأعظم من أطبائنا السعوديين «حكماء»، قبل أن يكونوا «أطباء»، ذلك أنهم يعملون بما يُمليه عليهم دينهم، قبل شرف المهنة، ويعملون بأخلاقيات الطبيب المسلم. وأذكر أن رسالة ماجستير أُعدّت في أخلاقيات الطبيب المسلم. وأنصح أطباءنا الشبان -خصوصاً- أن يحرصوا على تحرِّي الحكمة والرويّة، والتأني والصبر، وحسن التعامل مع المريض، الذي ائتمنهم الله كما ائتمنهم ذووه عليه، فمَن يؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store