ترشيد الإنفاق في ظل إغراء الأسواق

تُجَّار المناسبات، هم الأكثر ثراءً والأكثر انتهازيَّة وقدرة -عن طيب خاطر- على سلب ما في جيوب الناس من مدَّخرات. أمَّا تجَّار السلاح في السوق السوداء، فهم الأخطر على الإطلاق، حيثُ يُؤجِّجون نيران الفتن حول العالم، وهناك مَن يُتاجرون بالمخدَّرات؛ المهلكة للأبدان والمدمِّرة للعقول. وآخرون يحتكرون المواد الأساسيَّة للمعيشة، من غذاءٍ ودواء ولباس، كلَّما يلوح في الأفق شبح عدم استقرار في دولةٍ ما، أو شُح في المحاصيل، يُخزّنونها في المستودعات، لتخلو الأسواق منها، ثمَّ يُسرّبونها تباعًا لتُباع بأسعارٍ خياليَّة. يلي هؤلاء تجَّار موسمي الصيف والشتاء. تراهم يعرضون بقايا ما في مستودعات مخازنهم من بضائع للبيع؛ بتخفيضاتٍ تصل إلى 70%، لتغري ضعاف النفوس بالتسوُّق لشراء ما ليسوا بحاجة ضروريَّة له. وهكذا يأتون على مدَّخراتهم؛ التي سرعان ما تنتهي في حسابات المُصنِّعين والمُسوِّقين. أمَّا تجَّار المناسبات الدينيَّة التي من المفترض أنَّها مواسم عبادة وتقرُّب إلى الله، فيُغرقون الأسواق بالملبوسات والحلويات والمقبِّلات والكماليَّات وألعاب الأطفال، ليتكبَّد ربُّ الأسرة من المصاريف خلال أيّام معدودة ما يكفي متطلَّبات منزله لشهور.

لدى رجال المال والاقتصاد ما يُبرِّر ذلك! فدورة المال ضرورة لإنعاش اقتصادهم وتوفير فرص العمل.. وسبق لليابان أن مرَّت بركودٍ اقتصادي في القرن الماضي، فتوقَّفت ربّات البيوت عن شراء ما هو غير ضروري وعاجل، تاركات الأرصدة البنكيَّة بفائدة أقلَّ من نصف من المئة تحت تصرُف البنوك لإقراض الشركات والمصانع، فزاد تصرفهنَّ هذا الطين بلَّة. فتكدَّست البضائع في الأسواق، مما اضطرَّ الحكومة هناك إلى إصدار شيكات بنسبة ربع عدد السكَّان، وزّعتها بالقرعة على ربَّات البيوت لصرفها في مشتريات أعياد رأس السنة. إلا أن جُل ربَّات البيوت رفضن قبول الشيكَّات لكونها من المال العام.

وما دمنا في موسم إغراءات التسوُّق في نهاية العام، والإعلان عن التخفيضات في الفضائيَّات والصحف والمجلَّات، ووسائل الترفيه وبرامجها والمهرجانات تحتلُّ الصدارة لدى ميسوري الحال، مما يُغريهم بالسفر خارج المملكة للاستفادة من تخفيضات نهاية السنة. لذا من مصلحة الاقتصاد الوطني وجيوب المواطنين؛ توجيه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لإعداد برامج توعية في ضوء مفهوم الآيات القرآنيَّة الكريمة في سورة الفرقان: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا). وفي سورة الإسراء: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُإِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا).