تحكي القصة أنه ذات صباح وفي حوالى الساعة الثامنة والنصف؛ دخل عجوز يناهز الثمانين من العمر على طبيب لإزالة بعض الغرز من إبهامه، وفور دخوله أكد بأنه في عجلةٍ من أمره، لأن لديه موعد هام في التاسعة، فقدَّم له الطبيب كرسيًا وأخذ يتحدَّث معه وهو يُزيل له الغرز من الجرح، ثم سأله عن هذا الموعد الهام والذي جعله على عجلةٍ من أمره ومع من؟.. فرد عليه العجوز موعدي هو للذهاب لدار الرعاية لتناول الإفطار مع زوجتي، فسأله الطبيب: وما سبب دخول زوجتك لدار الرعاية؟ فأجابه: بأنها هناك منذ فترة لأنها مصابة بمرض الزهايمر (ضعف الذاكرة)، وأثناء الانتهاء من تغيير الجرح سأله الطبيب: وهل ستقلق زوجتك لو تأخرت عن الميعاد قليلاً؟ فأجابه العجوز إنها لم تعد تعرف من أنا يا ولدي.. هي لا تستطيع التعرف عليَّ منذ خمس سنوات مضت، فسأله الطبيب مندهشًا: ولا زلتَ تذهب لتناول الإفطار معها كل صباح على الرغم من أنها لا تعرف من أنت؟، فابتسم الرجل وضغط على يد الطبيب وقال: (هي لا تعرف من أنا.. ولكن أنا أعرف مَن هي).
ما أجمل الوفاء وما أجمل أن نجعل الوفاء منهجًا في حياتنا فنحرص على تطبيقه والامتثال به في كل شؤوننا، وخصوصًا في إطار الأسرة والعمل والأصدقاء، بل وحتى مَن لا تربطنا بهم علاقة وثيقة، أو ممن قد يكونوا أغراب بالنسبةِ لنا، فالوفاء خصلة لا تُميِّز بين البشر، لأنَّ مَن يكون وَفيًّا، هو مَن يعرف قيمة الآخرين، ويُقدِّر مكانتهم، ويحفظ ودّهم، ويحرص على رد الجميل لهم، دون أن ينتظر شيئًا منهم.
الوفاء عملة نادرة اليوم، ومَن امتلكها فقد امتلك كنزًا لا يُقدَّر بثمن، فالزوج الوفي والابن الوفي والأخ الوفي والصديق الوفي.. وغيرهم من الأفراد في مجتمعنا، هُم عملات نادرة، يجب أن نحافظ عليهم، وأن نعرف قيمتهم وقدرهم، وألا نفرط فيهم، خصوصًا في هذا الزمن الذي كثر فيه الغدر والكذب والخداع.
علينا أن نُربِّي أبناءنا على الوفاء، وأن نعرض عليهم باستمرار قصص الوفاء النادرة، وأن نُؤصِّل في منهج حياتهم بأن الوفاء من أنبل الخصال التي يجب أن تكون لدى الفرد، ليتعامل بها مع كافة أفراد مجتمعه، فلا معنى للحياة بلا وفاء، وها هي الحياة لا تلبث أن تُقدِّم لنا بين فترةٍ وأخرى نموذجًا، يُؤكِّد بأنه لا يزال هُناك أوفياء بيننا، يجب أن نُقدِّرهم ونُبادلهم الوفاء بوفاء.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
