Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الراقدي.. سيرة زمان ومكان

A A
العنوان أعلاه مقتبَس من عنوانِ كتابٍ أصدره- مؤخرًا- المقهى الثقافيُّ ببارق عن طريق دار الانتشار اللبنانية لمُؤلِّفه مدير تعليم محايل عسير الأسبق الأستاذ مهدي بن إبراهيم الراقدي. تطرَّق الراقدي في كتابه (من الذاكرة.. سيرة زمان ومكان) إلى نشأته، ومراحل تعليمه، وما لاقاه من مشقةٍ واغتراب حتى نال الليسانس (البكالوريوس) في اللغة العربية من كلية اللغة العربية بالرياض سنة (١٣٨٩هـ).. المنعطف الأهم في حياة الراقدي- كما يذكر- هو عدم التحاقه بالدورة الخارجية في أمريكا -مع أنه رُشح لها- ذلك أنه قابل مدير إدارة تعليم أبها آنذاك محمد الفواز، رحمه الله، الذي عرض عليه النقل إلى إدارة التعليم وتحديدًا (التوجيه التربوي) وأقنعه بذلك.
يمكننا أن نُقسِّم حكاية الراقدي مع التعليم في تهامة عسير -وتحديدًا- في محايل عسير إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، ذهابه -بدءًا من (١٣٩٥هـ)- مع لجنة تعليمية لقطاع تهامة والبحث عن تجمُّعات السكان لإحداث مدارس ابتدائية جديدة. المرحلة الثانية، عندما دفَعَتْهُ الأمانةُ والمسؤولية لعرض موضوع فتح إدارة تعليم مستقلة عن تعليم أبها وتكون في محايل عسير وذلك على وزير المعارف –آنذاك- الدكتور عبدالعزيز الخويطر رحمه الله، حينما سلَّمه -مناولةً- تقريرًا عن حاجة القطاع التهامي لإدارة تعليم، وما ترتَّب على ذلك من تكليفه هو ومندوب الوزارة ومسَّاح بالذهاب منتصف (١٤٠٠هـ) لقطاع تهامة والوقوف عليه بكل أبعاده، في مهمة قاسية استمرت شهرًا كاملًا خرجت اللجنة منها بضرورة إحداث إدارة تعليم في تهامة يكون مقرها في محايل. المرحلة الثالثة، صدور قرار وزير المعارف (الخويطر) بإنشاء إدارة تعليم في محايل بتاريخ (١٤٠١/٢/٢٠هـ)، ثم صدور قرار تكليف الراقدي بإدارة تعليم محايل في (١٤٠١/٤/٢٠هـ) واستمر حتى جمادى الثانية (١٤٢٤هـ) حينما انتقل مديرًا عامًا للتعليم بعسير بعد أن أمضى (٢٣) عامًا في إدارة تعليم محايل عسير بدأها من الصفر ووصل بها إلى المراكز الأولى على المستويات كافة، ولا أدلَّ على ذلك من وصول عدد المباني الحكومية إلى (٧٠) مدرسة خلال الثلاث سنوات الأولى، وتنفيذ مبنى إدارة التعليم الذي يعتبر الثاني في منطقة الجنوب بالإضافة للمكتبة العامة، بل أصبحت تهامة كلها كما يقول الراقدي «ورشة من العمل التعليمي والتربوي والأنشطة والمهرجانات والاحتفالات واللقاءات التربوية». ولقد حظيتُ ببدء مسيرتي مع التدريس في تعليم محايل عسير، فعملت فيها أربع سنوات في مدرستين بقطاعين مختلفين (قَنَا-بارق) في الفترة (١٤١٠-١٤١٣هـ) وكنت شاهدًا على جزء من هذه النقلة النوعية الفريدة، ولقد كانت لقاءاتي مع الراقدي محدودة؛ فالأولى، عندما دخلت عليه مكتبه مطلع (١٤١٠هـ) أسأله عن خطاب التوجيه للمدرسة الجديدة فقال: «يا ولدي لا تكن عَجول»، والثانية، عندما دخل عليَّ الفصل في مدرسة بقطاع بارق منتصف (١٤١٣هـ) وأنا أشرح درسًا، فتداخل دقائق معدودة ثم قال اسمحوا لي فلم أعد أتذكر بعض المعلومات. لقد شكل الراقدي العلامة الفارقة في مسيرة التعليم والتنوير في محايل عسير من خلال تلك المراحل الثلاث، وله في كل بيتٍ ووادٍ وجبل وسهل بصمةٌ من نور، وسيظل عَلمًا خالدًا من أعلام التضحية والوفاء، وستحفظ له الأجيال في محايل عسير وقطاعاتها وكل من مر على تعليم محايل عسير هذا الصنيع، كيف لا وهو كما قال عنه الدكتور عبدالرحمن المحسني: «كان نموذجًا استباقيًّا للعمل الخالد». وكم أحسنتْ إدارة تعليم محايل عسير ممثلة في مديرها الأستاذ منصور آل شريم عندما ردت له بعض جميله فأطلقتِ اسمه على إحدى مدارسها الابتدائية الرائدة. ويبقى الدور على مجايليه والأجيال اللاحقة ليحفظوا له جميله، ويقرؤوا ويفككوا مضامين كتابه المكتوب بلغةٍ بديعة راقية، ووصفٍ للمكان والإنسان والتحولات دقيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store