Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

قبول النصيحة على النفوس ثقيلة!

الحبر الأصفر

A A
النَّصيحَة ثَقيلَة عَلَى النَّفسِ البَشريَّة؛ لأنَّ المُخلصين والأُمنَاء فِي النُّصح، يَندر وجُودهم بَيننَا؛ لِذَلك يَتوجَّس البَعض مِن النَّصيحَة، حِينَ تَرتَدي ثَوب الزّجر، أَو يُمرِّر مَن يُسديهَا مُفرَدَات؛ تُشعر المَنصوح بالنَّقص.. لَكن ذَلك لَا يَمنَع كَاتِب هَذه السّطُور؛ مِن التجوُّل بَين العقُول، ليُلخِّص للقُرَّاء والقَارِئَات؛ تَعريفَات ومَفَاهيم النَّصَائِح؛ عِندَ مُختلف شعُوب الكُرَة الأَرضيَّة..!

فالنَّصيحَة يَجب أَنْ يُسديهَا الأَشخَاص المُثمرون، البَنّاؤون، الذين يُقرِنُون النَّصيحَة بالمِثَال، والنَّظريَّة بالتَّطبيق؛ لأنَّهم فِي هَذهِ الحَالَة، سيَكونون أَكثَر نَفْعًا وفَاعلية، ووَصفهم الفَيلسوف «فرانسيس بيكون» قَائِلًا: (مَن يُعطي نَصيحَة جَيِّدة، يَبنِي بيَدٍ وَاحِدَة، ومَن يُعطي استشَارَة جَيِّدة ومِثالًا جيِّدًا، يَبني بكِلتَا اليَدين)..!

وعِندَمَا يَنصَحك أَحدٌ، فلَا تَتوقَّف كَثيرًا عِند نيّته؛ لأنَّ «النَّوايَا الحَسنَة هي الطَّريق المُعبّد إلَى الجَحيم»، بَل انظُر إلَى جَدوَى النَّصيحَة، ونهَايتهَا وثمَارهَا، وفِي ذَلك يَقول الفَيلسوف «شيشرون»: (يُحاسَب عَلَى النَّصيحَة بنَتيجتهَا، ولَيس بنيّتهَا)..!

وللأَسَف، نَحنُ فِي زَمنٍ؛ قَلَّت فِيهِ فَائِدة النَّصيحَة؛ لأنَّ النَّصَائِح -فِي الغَالب- يُسديهَا الجُهَّال، ليُجرِّبوا فِيكَ مَا عَجزوا هُم عَنه، حَتَّى إنَّ الفَيلسوف «شسترتون»؛ سَخِرَ مِن الفَلَاسِفَة فقَال: (أَدينُ بنَجَاحي، لاستمَاعي باحترَامٍ إلَى أَفضَل النَّصَائِح، ثُمَّ تَنفيذ عَكسهَا).. ومَع كَثرة نَصَائِح الجُهَّال؛ التي نَسمعهَا آنَاء اللَّيل وأَطرَاف النَّهَار، أَصبَحَت النَّصَائِح الذَّهبيَّة القَليلَة، هي الضَّحيَّة، وَضَاع القَليل الجيِّد؛ فِي خِضَمّ الكَثير الرَّديء، وهَذَا المَعنَى قَريب؛ مِن فِكرة الأَديبَة «أجاثا كريستي» حِينَ قَالَت: (النَّصيحَة الجَيِّدة، غَالبًا مَا يَتم تَجَاهلها، لَكن هَذا لَيس سَببًا فِي عَدَم إعطَائِهَا)..!

أَكثَر مِن ذَلك، مِن شرُوط النَّاصِح، أَنْ يَكون مُعتدل المَزَاج، خَبيرًا فِي مَجالهِ، لَا يُعَاني مِن ضغُوط الحَيَاة، وقَد انتبَه إلَى ذَلك الفَيلسوف «أيسوب» حِينَ قَال: (لَا تَثق أَبدًا بنَصيحةِ شَخص، يَمرُّ بأَزمَات)..!

وقَد قُلتُ أَكثَر مِن مَرَّة: إنَّ الأمُور مَرهونَة بأَوقَاتهَا؛ لِذَلك يَجب عَلَى النَّاصِح أَنْ يَتوخَّى الوَقت المُنَاسب؛ لإسدَاء النَّصيحَة، وهَذا -بالمُنَاسبَة- مَنهَج نَبوي، نَعرفه جَيِّداً، قَبل أَنْ يَنصحنَا الأَديب «عبدالرحمن الكواكبي» قَائِلًا: (النُّصح لَا يُفيد شَيئًا، إذَا لَم يُصَادف أُذنًا تَتطلّب سَمَاعه)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: مِن المَعروف أَنَّ النَّفس البَشريَّة؛ لَا تَتقبَّل الأَوَامِر، بَل هي تَفعَل عَكس مَا نَأمرهَا بِهِ، وقَد تَنَبَّهَ إلَى هَذا المَغزَى الفَيلسوف «هاري ترومان» فقَال: (لقَد وَجدتُ؛ أنَّ أَفضَل طَريقَة لإعطَاء أَولَادك النَّصَائِح، هي أَنْ تَبحَث عَمَّا يُريدون فِعله، وتَنصَحهم بأنْ يَفعَلُوه)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store