عندما تُتاح لك الفرصة للجلوس مع بعض كبار السن ممَّن كانوا عصاميين، وتستمع إلى مسيرة حياتهم وكفاحهم، والجهد الذي بذلوه من أجل لقمة العيش، ومن أجل بناء مستقبلهم بعرق جبينهم، تشعر بأن هؤلاء فقط هم الذين يعرفون قيمة المال الحقيقية، لأنهم تعبوا وسهروا وضحّوا بوقتهم وصحتهم من أجله، وعانوا في سبيل الكسب الحلال، وفي سبيل أن تكون لهم أسرة مستقرة تنعم بحياة كريمة.
من مسؤولية أولياء الأمور أن يربوا أطفالهم على قيمة المال الحقيقية، وتعليمهم الأسس المبدئية للتعامل مع المال، وليس ذلك على الصعيد المادي فقط، بل وكذلك على صعيد الأخلاق والسلوكيات ليصبح المال في أيديهم، ولا يكون في قلوبهم، مما يساهم في تعزيز شخصيتهم وثقتهم في أنفسهم وفهم المعنى الحقيقي للمال، وأنه في نهاية المطاف وسيلة وليس غاية، مما ينعكس على حياتهم اليومية، فكلما تعلَّم الأطفال تلك المفاهيم والمبادئ والأسس الإيجابية تجاه المال مبكراً، كلما تطوَّرت تلك السلوكيات وأصبحت عادة لديهم تُرافقهم طوال حياتهم.
نشرت إحدى وسائل الإعلام مؤخراً بعض الخطوات التي أوردها بعض الخبراء لشرح قيمة المال للأطفال، ومن ذلك أن يعمل أولياء الأمور على إفهام الطفل بأنه لا توجد هناك مطبعة جاهزة لتوفير المال الذي يحتاجه في أي وقت، بل هناك وقت معين في نهاية الشهر يحظى فيه من يعمل؛ بمبلغ من المال (الراتب)، وهذا المبلغ يقابله التزامات، فلا يمكن التصرف فيه وشراء كل ما يريد الفرد بدون تفكير، كما أن على أولياء الأمور تعريف أطفالهم بتكلفة الأشياء التي يتم شراؤها، فيطلبوا منه التحقق من سعر اللعبة التي يُريدها ومقارنته بما لديه من مال، وتشجيعه أيضاً على التفكير في مدى أهمية المنتج الذي يطلبه، وهل من الضروري شراؤه الآن أم يمكن تأجيله؟، كما أن على الطفل أن يعرف أن زيادة المال يجب أن يتبعها زيادة العمل والجهد الذي يُبذل، ليتعلَّم أن لا زيادة تأتي من فراغ، وعليه أن يعرف منذ الصغر أن هناك أمورًا أساسية يجب أن يقوم بها لأسرته، ويخدم بها والديه، وهي من صميم حياته، ولا يُمكن أن يطالب مقابلها بأي مال.
بعض الأطفال يقف اليوم أمام الصراف الآلي ويطلب من والده أن يسحب المال ليشتري له ما يريد وهو لا يعرف ما هو الصراف وكيف تكون الفلوس بداخله وكيف تسحب البطاقة وما هو الرصيد النقدي والحساب الشخصي... وغيرها من التفاصيل التي من الأفضل أن يعمد أولياء الأمور على أن يستوعبها أطفالهم في صغرهم، ليعرفوا القيمة الحقيقية للمال، فيحرصون على استخدامه بشكلٍ صحيح دون إفراط ولا تفريط، ولا يحملون أولياء أمورهم فوق طاقتهم، ويحافظون على الأموال التي تعب آباؤهم في تحصيلها، وأفنوا أعمارهم وصحتهم من أجلها.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
