Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

تيريزا ماي.. في مهبّ الريح

رؤية فكرية

A A
بحلول هذا اليوم يكون البرلمان البريطاني قد صوّت لصالح مشروع رئيسة الوزراء تيريزا ماي إزاء قضية «بريكست»، وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الأعضاء سيقفون ضد مشروع ماي؛ خصوصًا بعد انحياز مجموعة من النوّاب المحافظين لحزب العمّال المعارض، الذي يقود حملة ضارية ضد ماي ومشروعها.

جوهر مشكلة ماي أنها لا تملك قاعدة شعبية كتلك التي كانت تحوز عليها مارغريت تاتشر في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، وربما رأى فيها قطاع من النوّاب المحافظين سمة استعلاء مرفوضة، إضافة إلى أن ماي حلّت كزعيم لحزب المحافظين بعد شخصية كانت تملك حضورًا قويًا، داخل الحزب وخارجه، وهو ديفيد كامرون. ثم إن هناك خللاً في عملية الاستفتاء على مكوث بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، يتمثّل في رؤية كثير من المراقبين والمحللين السياسيين الذين يؤكدون أن مكانة بريطانيا الحقيقية تتجلى في وجودها داخل منظومة الاتحاد الأوروبي وليس خارجه، ويسردون في هذا السياق شواهد كثيرة، يتقاطع فيها السياسي بالاجتماعي والاقتصادي، راسمين من خلال ذلك صورة تجعل من افتكاك بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي خطأ جسيمًا سيكلفها الكثير على المستويين البعيد والقريب، على أي وجه جاء هذا الخروج، سواء باتفاق مع المنظومة الأوروبية أو بغير اتفاق، فالمحصلة النهائية ستكون كارثية بالنسبة لبريطانيا، على حد زعمهم ورؤيتهم.

وبالنظر إلى موقف المعارضة بقيادة جيرمي كوربن، فإنها تتحيّن الفرصة، وتتربص مترقبة نتيجة هذا التصويت في داخل المجلس، لتبني عليه الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، بما يتيح للمعارضة الوصول إلى كراسي السلطة، ويكون كوربن بذلك أول زعيم سياسي يساري المنزع، من حزب العمّال، يصل إلى موقع القرار، وبالتالي العمل على تطبيق الأجندة الخاصة بالنقابات العمّالية، والعودة إلى قضية التأميم التي كانت في فترات ماضية مرفوضة من قطاع كبير داخل حزب العمّال.

ومما يزيد من حظوظ وصول كوربن إلى موقع السلطة هو أن حزب المحافظين لا يملك نائبًا متمرسًا في شؤون الحوار والمجادلة داخل مجلس العموم يضاهي في قوة المعارضة ونصاعة البيان وقوة التأثير ما يحظى به كوربن، بما يرجّح كفّة الأخير بشكل كبير، ويترك بريطانيا المستقبل أمام متغيرات سياسية بالغة التعقيد في الفترة المقبلة.

كما أننا لا يمكن أن نغفل بأي حال من الأحوال ما يحصل في الجوار من متغيرات يرتفع فيها صوت العمال، بالأجندات اليسارية المطالبة ببعض الحقوق المالية والسياسية، على نحو ما هو مشاهد في فرنسا التي تكاد تشهد «ثورة» حقيقية تقودها «السترات الصفراء»، والتي امتدت فكرتها إلى ألمانيا، بتنفيذ فكرة «الإضراب التحذيري»، وقبل ذلك سويسرا، واليونان، فكل هذه العوامل المحيطة تجعل من أفكار «كوربن» حاضرة في المشهد البريطاني، وتقوي من حظوظه في الوصول إلى مركز القرار، دون حاجة إلى لبس السترات الصفراء.. مستصحبين هذه الترجيحات، وفي حال إخفاق ماي المتوقع في عملية التصويت على مشروعها الموسوم بـ«تشكر»، فإن موقعها داخل الحزب سوف يهتز لا محالة، وبالتالي ربما يكون الباب مفتوحًا أو على الأقل مواربًا لدخول الآخرين حلبة المنافسة مع ماي على زعامة الحزب. كما سيكون لزامًا على حزب المحافظين أن يعمل بجد واجتهاد لاستعادة مكانته في صناعة القرار، باختيار شخصية قادرة على التأثير واستمالة صوت الناخب البريطاني..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store