Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

مصائب قوم عند قوم فوائد

A A
لكلِّ مَن نُشاركهم العيش فوق كوكبنا الأرضي أسلوب حياة وطرق تعامل؛ تختلف عمَّا نحنُ عليه. ومِن مُغريات الإقامة والعمل خارج الوطن العربي، فرص الاختلاط عن قُرب مع أهالي الدول المضيفة على اختلاف طرق حياتهم، وتعدُّد طبقاتهم الاجتماعيَّة ومؤهِّلاتهم العلميَّة، ومعرفتنا ما عندهم من علومٍ ومعرفة، ومُثُل وعادات وتقاليد، التي قد تُقرِّب بعضنا من بعضٍ، امتثالًا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

في تقديري أنَّ أمَّة اليابان متميِّزة عن غيرها من الأمم، في التمسُّك المتين بهويتهم وعاداتهم وتقاليدهم. وهم بذلك ربَّما يعتبرون أنفسهم أمَّة مُتفوِّقة على سواهم من الأمم، بدليل تقسيمهم سُكَّان كوكبنا إلى «كاي جن»؛ يابانيين، و»نيهون جن»؛ غير يابانيين. ويتساوى في دائرة «نيهون جن» العِرق الأبيض والعِرق المُلوّن. وتقسيمهم العِرقي هذا لا يحول دون احترامهم الأعراق الأخرى.. لسبب وجيه ذكره لي أحدهم: «نحيَّيكم بانحناء هاماتنا كي تُقابلونا بالمثل». ويتميَّز اليابانيُّون بالإبداع حتَّى وهم يُقلِّدون منتجات الأمم الأخرى بقصد المنافسة وكسب الأسواق العالميَّة. يأخذون العبرة مِن الماضي لبناء مستقبل أفضل لأبنائهم وأحفادهم. وهذا ما شاهدناه بعد خسارتهم الحرب العالميَّة الثانية أمام الحلفاء. فلقد جنحوا للسِّلْم، فعوَّضوا الهزيمة بالعزيمة، والعمل الجاد في مجالات العِلْم والصناعة والابتكار. وما عتم أن تربَّعوا على قمَّة المعرفة في العلوم والتقنيَّة، مُنافسين الدول المتقدِّمة التي عملت على هزيمتهم في الحرب، وحرمتهم من مستعمراتهم في البلدان المجاورة لهم بعد سنوات قليلة من الهزيمة العسكرية، وما لحق بلدهم من دمار. نقلوا فروعًا لمصانعهم إلى العديد من الدول الصناعيَّة الكبرى بما فيها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، مُسخِّرين العمالة من البلد المضيف للعمل في مصانعهم، ومحتفظين لأنفسهم بالإشراف والتوجيه لضمان جودة الإنتاج.

في ضوء ما تقدَّم ذكره عن تغلُّب اليابانيِّين على الهزيمة النكراء التي مُنوا بها، وكانوا قوَّة عسكريَّة عُظمى لا يُستهان بها، وبمحاكاتهم المنتصرين عليهم في المجالات العلميَّة والصناعيَّة، والتفوُّق عليهم في العديد من المجالات العلميَّة والتقنيَّة، يجدر بنا التساؤل: -وقد بدا لنا الأمل في رؤية 2030- عمَّا إذا كان العالم العربي الذي عانى من ويلات الحروب والفتن وعدم الاستقرار على مدى السبعين سنة الأخيرة، هل يكون مُشابهًا لمثيله الياباني الذي خلَّصها من تداعيات هزيمة الحرب العالميَّة الثانيَّة قبل سبعين عامًاً أيضًا، يُعيد لهم أراضيهم المغتصبة ومقدَّساتهم المحتلّة، ويرتقي بالشعوب العربيَّة إلى مصاف الدول المتقدِّمة علمًّا واجتماعيًّا. فكما جعلت اليابان من الهزيمة انتصارًا، فلا أقلَّ من أن نتمثَّل حكمة المتنبِّي التي تقول: «مصائب قوم عند قوم فوائد»، وما ذاك على شعب يريد الحياة بغريب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store