Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

الإشادة بقيَم السعادة

الحبر الأصفر

A A
شعُور المَرء بالسَّعَادَة يَكون -أَحيَانًا- مُتوَاريًا فِي أَعمَاق النَّفْس البَشريَّة، لَكن ذَلك الشعُور لَا يَخذل صَاحبه، وهو فِي أَمسِّ الحَاجَة إِليهِ، فحِين تَحلُّ كَارِثَة بالإنسَان، يَتذكَّر عَلَى الفَور؛ كَم كَان سَعيداً قَبل حدُوثهَا، مِمَّا يُخفِّف مِن وَطأة الألَم، ويزيد امتنَانه لكُلِّ الأَيَّام السَّعيدَة.. فالسَّعَادَة فِي عُرْف العُقلَاء تَأتي عَفويَّة، مِن دُون التَّخطيط لَهَا، ومَتَى خَطَّط لَهَا الإنسَان؛ دَخلَ فِي حَربٍ مَع نَفسهِ، لكَي يَكون سَعيداً.. هَذا المَعنَى دَقيقٌ وعَميق، لَم يَلتَفت إليهِ إلَّا الفَيلسوف «دون ماركيز»، الذي يَقول: (لَا يَكون الإنسَان سَعيداً؛ إلَّا إذَا تَعلَّم كَيف يَنسَى السَّعَادَة)..!

وقَد تَنَاوَلتُ غَير مَرَّة؛ علَاقة السَّعَادَة بالعَمَل، ولَكن فِي كُلِّ مَرَّة أَتنَاولهَا مِن جَانِب، ولَعلَّ أَحَد الجَوانب العَميقَة، هي تِلك الحِكمَة التي تَقول: (لَيسَت السَّعَادَة أَنْ نَعمَل مَا نُريد، بَل السَّعَادَة أَن نُحَاول محبّة مَا نَعمَل)..!

وقَد سَألَني أَحد أَصدقَائي مُؤخَّرًا: هَل السَّعَادَة ذِكريَات؟، أَم هِي تَجَارُب؟، فقُلت: (مِن الصَّعب الجَزم بالجَوَاب، ولَكن هُنَاك مَثَل هِندي يجزِم بالإجَابَة فيَقول: «لَيسَت السَّعَادَة شَيئاً نُجرِّبه، إنَّها شَيءٌ نَتذكَّره»)..!

ثُمَّ سَألني ثَانيةً: مَن مِنَّا لَا يَفهم قَانون كُرَة القَدَم؟، فقُلت: (إنَّه قَانونٌ بَسيط، يَتمثَّل فِي الجَري خَلف الكُرَة، ومَتَى تَوقَّفَت الكُرَة، نَركلهَا بالأَقدَام)، وأَعتَقد أَنَّ السَّعَادَة لَيسَت بَعيدَة عَن هَذا المَعنَى، حَيثُ يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (السَّعَادَة كُرَة نَجري ورَاءَهَا عِندَما تَجري، ونَدفعهَا بقَدمِنَا عِندَما تَقف)..!

أَكثَر مِن ذَلك، بَين القَضَاء عَلَى الخَوف؛ والمُحَافَظَة عَلَى احترَام الذَّات، تَكمُن السَّعَادَة.. إنَّها تَتَردَّد عِندَ السُّعدَاء بَين هَذين القُطبَين، لِذَلك لَم يَبتَعد أَحَد الفَلَاسِفَة كَثيراً حِينَ قَال: (السَّعيد، مَن استَطَاع القَضَاء عَلَى مَخَاوفه، واستَطَاع -فِي الوَقت نَفسه- المُحَافظَة عَلَى احترَامِهِ)..!

ولَيس جَديدَاً عَلينَا ذَلك المَعنَى الذي يَقول: إِنَّ السَّعَادَة تَأتِي إلينَا؛ عِندَمَا نَتوقَّف عَن البَحث عَنهَا، لأنَّها شعُور عَفوي، ولَكن الجَديد، أَنْ تَأتِي هَذه الفِكرَة مِن «أفلاطون»، ذَلك الفَيلسوف القَديم الذي تَأمَّل السَّعَادَة جيِّداً، فقَال: (تَبدَأ السَّعَادَة بسُكنَى نَفسي؛ مِن اليَوم الذي يَتوقَّف فِيهِ بَحثِي عَنهَا)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: فِي البَشَر؛ هُنَاك قلُوبٌ صَغيرة، وقلُوبٌ كَبيرَة.. دَائِماً تَأمَّلوا القلُوب الكَبيرَة، ستَجدون فِيهَا شَيئاً غَريبَاً، هَذا الشَّيء ذَكره الفَيلسوف «لابرويير» قَائِلاً: (القلُوب الكَبيرَة لَا تسعَد أَبدًا، لأنَّ سَعَادَة الآخَرين غَير مُتحقِّقة)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store