Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

تخفيف الارتجاج في مفاهيم الزواج

الحبر الأصفر

A A
لكُلِّ شَيءٍ فِي الحَيَاة؛ طَعمٌ ولَونٌ ورَائِحَة، لَكن هُنَاك مَن يَزعم أَنَّ الحَيَاة الزَّوجيَّة السَّعيدَة كالمَاء، لَا طَعم لَهَا؛ ولَا لَون ولَا رَائِحَة، وكُلّ مَن يُحاول أَنْ يُثبت عَكس ذَلك؛ سيَضيع جُهده كالهَبَاء المَنثُور.. وقَد سَأل أحَدهم قَديمًا: هَل الزَّوَاج ضَروري لأَصحَاب المَنَاصِب؟، إنَّه سُؤال يَحتَاج إلَى تَفصيل، وقَد أَجَاب عَنه الوَزير «أريستيد بريان» بقَوله: (لَا يَنبَغي لرَجُلِ الدَّولَة أَنْ يَتزوَّج. انظرُوا إلَى الحَقَائِق، لقَد استَطعتُ طُوَال سَنوَات العَمَل الشَّاقَة؛ أَنْ أَحتَفِظ بهدُوئي. فِي المَسَاء، بَعد كِفَاح يَوم حَافِل، كَان فِي وسعي أَنْ أَنسَى.. لَم تَكُن لِي زَوجة طَموح غَيور؛ تُذكِّرني بنَجاح زَميلي، أَو تُخبرني بالأشيَاء الكَريهَة التي تُقَال عَنِّي. وهَذه هِي قوّة أُولَئِكَ الذين يَعيشون وَحدهم)..!

ولَو وَجَّهنَا سُؤَالاً عَن تَجربة الزَّوَاج؛ ومَدى ضَرورتهَا، للأُستَاذ «أحمد بهجت»، صَاحب كِتَاب «تُفَاحة آَدم»، المُتخصِّص فِي الكِتَابَة عَن المَرأَة، لقَال بالحَرف الوَاحِد: (الذين لَم يُجرّبوا الزَّوَاج؛ أَفْلَت مِنهم جَانب حَيوي مِن الحَيَاة، وأَفْلَت مِنهم -فِي الوَقت نَفسه- خَوض تَجربة الشَّجَاعَة. إنَّ الشَّجَاعَة لَا تَكون بالبُعد عَن الميدَان، وهَجْر التَّجرُبَة، وإنَّمَا تُثبِت الشَّجَاعَة نَفسهَا فِي قَلب التَّجرُبَة)..!

والعَلَاقَة بَين الحُبِّ والزَّوَاج؛ عَلَاقة تَحمِل مِن الإشكَاليَّات الشَّيء الكَثير، وقَد سُئل الفَيلسوف «أندريه موروا» عَن هَذه الإشكَاليَّة، فقَال: (إنَّ الحُبّ العَنيف؛ يُعطي صَاحبه صُورَة عَن النَّاس؛ لَيست هي حَقيقتهم. والرِّجَال الغَارِقُون فِي الحُبِّ إلَى آذَانهم؛ يَتصوَّرون أَنَّ الزَّوَاج سيَمنحهم قَدراً هَائِلاً مِن السَّعَادَة، ولهَذا يَتزوَّجون.. ثُمَّ لَا تَلبث خيبة الأَمل أَنْ تُدركهم)..!

وباختصَار لَو سَألنَا الأَديب المِصري «أحمد بهجت»؛ مَرَّةً أُخرَى، عَن كَيفيّة وصُول رِحلة الزَّوَاج إلَى بَرِّ التَّسَامُح؟؛ لقَال عَلى الفَور: (يَصيرُ الزَّوَاج حلماً جَميلاً مُمكِناً، بالتَّسَامُح وبالتَّغَاضي، وبالقُدرَة عَلى فَهم طَبيعة الزّوج الآخَر، ومُحَاولة تَقبُّل هَذه الطَّبيعَة)..!

أكثَر مِن ذَلك، يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (سَوف يَكون مُهمًّا جِدًّا؛ أَنْ يُبَادر كُلّ زَوج إلَى البدء بالتَّضحية.. لأنَّ انتظَار صدُور التَّضحيَة مِن الطَّرَف الآخَر؛ يَعنِي أَنَّ سَفينة الزَّوَاج؛ قَد ارتطَمَت بالصّخُور)، فالتَّضحيَة مِن عَزم الأمُور؛ التي لَا يَجود بِهَا الإنسَان العَادي، وتَبلغ التَّضحيَة ذُروة النُّبْل؛ حِينَ تَصدر مِن أَحَد الزَّوجين تِجَاه الآخَر، لَكن قَصب السَّبق لمَن يُبَادر مِنهم أوَّلاً بالتَّضحيَة..!

والكِيميَاء بَين الزَّوج والزَّوجَة؛ أَكثَر تَعقيداً ممَّا قَد يَتصوَّر البَعض، هَذه الكِيميَاء غَاصَ فِيهَا الفَلَاسِفَة، وتَفلسَف فِيهَا الأُدبَاء، ثُمَّ تَاهوا وحَاروا، حَتَّى قَرَّب المَعنَى لَنَا أَحَد الفَلَاسِفَة، قَائِلاً: (لَيسَ هُنَاك إنسَان يُشبه إنسَاناً آخَر، لَا فِي المَزَاج، ولَا فِي الطِّبَاع، ولَا فِي الشَّخصيَّة، ولَا فِي القُدرة العَقليَّة، ولَا فِي الطَّاقَة.. وحِينَ يُحب أَحدنَا إنسَاناً آخَر ويَتزوَّجه، يُحاول أَنْ يَجد فِيهِ جُزءاً مِن طبَاعه، ويُحَاول أَنْ يَجد فِيهِ «وجُوه شَبَه» مَعه، وهَذا كُلّه أَمر طَبيعي. بَينَمَا الأَمر غَير الطَّبيعي، أَنْ نَنفر مِن اختلَاف الشَّخصيَة، والضَّرَر أَنْ نُحاول تَغيير هَذه الشَّخصيَّة، لتَصير مِثل شَخصيّتنَا)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: يَا قَوم، تَعدَّدت النَّجَاحَات، واتّسعَت ميَادينهَا، ولَكن مَا هو أَعظَم نَجَاح يُمكن أَنْ يُحقِّقه الإنسَان؟، إنَّه سُؤَال لَو طَرحتَه عَلَى الأَديب الكَبير «مصطفى السباعي»، صَاحِب كِتَاب «هَكذَا عَلَّمتني الحيَاة»، لقَالَ لَك: (أَعظَم نَجَاح فِي الحَيَاة؛ أَنْ تَنجَح فِي التَّوفيق بَين رَغبَاتك؛ ورَغبَات زَوجَتِكَ)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store