Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

الكلام الأصيل في ثقافة المستحيل

الحبر الأصفر

A A
أَصبَح المُستَحيلُ، بَل والمُمكِن -أَحيَانًا-، شَيئًا صَعبًا هَذه الأيَّام، لِذَلك يَجب أَنْ نَنفخُ الحَمَاس، ونَبثُّ الدَّعْم فِي نفُوس النَّاسِ، بَين فَترةٍ وأُخرَى، حَتَّى يُنجِزُوا المُمكن، ويَتجرَّأوا عَلَى المُستَحيل، فلَعلَّ القُرَّاء والقَارِئَات؛ يُحقِّقون اليَوم مَا كَان مُستَحيلاً بالأَمس:

فإذَا نَظرنَا إلَى «نَابليون بونابرت»، الذي فَتحَ الآفَاق، ومَسحَ المُستَحيل مِن قَامُوسهِ، نراه يُوصِينَا قَائِلاً: (الرَّجُل الذي عَقَدَ النيَّة عَلَى الفَوز؛ لَا يَنطق بكَلِمَة مُستَحيل، فلَا مُستَحيل تَحت الشَّمس)..!

فالمُستَحيل كَلِمَة لَا تُوجد إلَّا فِي ذِهن العَاجِز، وعَقليَّة الكَسُول، وقَد اختَصر الحِكَايَة؛ أَديب الهِند الكَبير «طاغور» حِينَ قَال: (سَأَل المُمكن المُستَحيل: أَين تُقيم؟، فأَجَابه المُستَحيل: فِي أَحلَام العَاجِز)..!

ويَقول شَيخنا «أبوسفيان العاصي»: (أَحيَانًا يَبدو الشَّيء مُستَحيلاً، لأَنَّنا لَا نَعرف طَريق الوصُول إليهِ)، وقَد لَمِسَ هَذه النُّقطَة الفَيلسوف «لاروشفوكو» فقَال: (مَا مِن شَيءٍ مُستَحيل، فهُنَاك طُرقَات إلَى جَميع الأَشيَاء)..!

أَكثَر مِن ذَلِك، عِندَما كُنَّا نَسأَل أُمَّهَاتنَا وجِدَّاتنَا عَن الطَّائِرَات؛ والصَّوَاريخ العَابِرَة للقَارَات، كُنَّ يَقُلنَ لَنَا؛ بأنَّ ذَلك مُستَحيل، ولَكن الأيَّام أَثبَتَت أَنَّه لَا مُستَحيل تَحت الشَّمس -كَمَا قَال «نَابليون» أَعلَاه-، وفِي ذَلك يَقول الأَديب «بلزاك»: (إنَّنَا نَعيش فِي عَالمٍ غَريب، أَصبَح فِيهِ كُلّ شَيءٍ مُمكِنًا)..!

وإذَا أَردتَ أَنْ تَكون قَائِداً مَجنُونًا ومُتهوِّرًا، مِثل «هتلر»، فعَليكَ أَنْ تَتبع نَصيحته؛ حِينَ صَرخَ بأَعلَى صَوته قَائِلاً: (يَجب أَنْ نَنسَى أَنَّ هُنَاك شَيئاً اسمه «المُستَحيل»، وشَيئاً اسمه «الخَطَر»)..!

والسُّؤَال الذي يَجب أَنْ يُطرَح هُنَا: مَا الفَرق بَين المُهمّةِ الصَّعبَة؛ والمُهمّةِ المُستَحيلَة؟، والإجَابَة تَكمُن فِي الوَقت، فلَا مُستَحيل مَع الوَقت، لِذَلك يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (المُهمَّةُ الصَّعبَة نُنفِّذهَا عَلَى الفَور، أَمَّا المُستَحيلَة؛ فتَتطلَّب بَعض الوَقت)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: أَرَاد المُتنبِّي أَنْ يُحبِطنَا بوجُود المُستَحيل، فقَال:

مَا كُلّ مَا يَتمنَّى المَرء يُدركه

تَجري الرِّيَاح بِمَا لَا تَشتَهي السُّفنُ!!

وهَذا البَيت صَدَّقه كَثيرٌ مِن النَّاس، ولَكن أَحَد الشُّعرَاء الأَبطَال، نَسفَ بَيت المُتنبِّي مِن أَسَاسه، فقَال:

وكُلُّ مَا يَتمنَّى المَرء يُدركه

مَجرَى الرِّيَاح لَا يَقوَى عَلَى السُّفنِ!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store