Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

هل يكفي التسامح الديني؟

A A
تُشَكِّل الحروبُ والصراعات المصدرَ الرئيس لتهديد الأمن والاستقرار في العالَم، ولذلك تتتالى النداءات لنزع فتيل هذه الحروب والصراعات، وإحلال قِيم التسامح محلها. هنا ينبثق السؤال عن الجهات أو المؤسسات التي بإمكانها درء هذه الحروب والصراعات وإطفاء سعيرها، فتأتي الإجابة باتجاهَين متغايرَين: الأول- يرى أن للمعتقدات الدينية والقائمِين على مؤسساتِها القدرةَ على القيام بهذه المهمة، والآخر- يرى أن لدى المؤسسات السُّلطوية والساسة القائمِين بأمرها الكلمةَ الفصلَ والحل الأمثل. مَن يُرجع الحل للمؤسسات الدينية والقائمِين عليها فات عليه أن تلك المؤسسات فاقدة لصلاحياتها، وليس لها الكلمة الفصل في أي قرار. ففي الجانب المسيحي سقطت سُلطة الكنيسة منذ عصر الأنوار الذي ألغى صلاحياتها، وأفقدها أدوارها، وحشرها في زاوية ضيقة، ولم يُبقِ لها إلا ممارسة بعض الطقوس داخل جدرانها، وعلى إثر ذلك حلت القطيعة بينها وبين مؤسسات الغرب المسيحي جميعها. في الجانب الإسلامي ليست المؤسسات الدينية بالبعيدة عن نظيراتها المسيحية، حيث أصبحت هامشًا في معظم الدول الإسلامية بعد أن كانت متنًا، خصوصًا بعد ظهور الدولة المدنية الحديثة، مع أن معظم الدول الإسلامية -إن لم تكن جميعها- تنص أنظمتها على أن الإسلام هو دستورها ومنهاجها. وعلى هذا فليس بإمكان هذه المؤسسات الدينية -في الجانبَين- إرساء قيم التسامح والسلام وتوطيدها، ونزع فتيل الحروب والصراعات، بل إنها ربما تكون عاملاً رئيسًا في نشر الكراهية والتعصب، وهو ما أظهره -بحسب المقطع المتداوَل- البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في أحد خطاباته عندما حذر أوروبا -وخاصة فرنسا وبريطانيا- مما أسماه (الفاشية الإسلامية) ووعد بعمل خطة أو إستراتيجية للتغيير، يقابله في الجانب الإسلامي رموز تقول بمثل قوله. من هذا يتضح أن المؤسسات الدينية في الجانبَين ليس باستطاعتها إرساء السلام تحت مظلة التسامح الديني -وإن زعمتْ ذلك- كونها فاقدة لصلاحياتها، وكونها تأتي تالية -وبمسافة كبيرة- للمؤسسات السلطوية التي بيدها زمام الأمور. نعم، في عصور سابقة كانت للمؤسسات الدينية الكلمة العليا، وكانت المؤسسات السلطوية منفذة لتعليماتها، ولذا رأينا كيف أن الحملات الصليبية والفتوحات الإسلامية قامت من منطلقات دينية، أما اليوم فإن المؤسسات السلطوية (هي العلة) وراء الحروب والصراعات والتوترات والكراهية والتعصب في العالم، (وبيدها وحدها) نزع فتيل هذه الحروب والصراعات، وإحلال التسامح والسلام محلها. التسامح والتعايش بين الأديان وبين الشعوب مطلب حياتي، ولا يمانعه إلا الغلاة المتطرفون عند كلا الطرفَين، غير أن الواقع يشهد بأن الغرب المسيحي لايزال جاثمًا على بعض التراب الإسلامي، ولايزال يُعمل آلته في رقاب الشعوب الإسلامية، ولايزال يجهد في التحريش بينهم، فكان حريًّا به أن يجعل من التسامح حقيقة ماثلة، لها ما يصدُّقها على أرض الواقع. وعندما يُطالَب الطرف الإسلامي بالتسامح فذلك يأتي من كون التسامح يُعد واجبًا في حقه هو وغيره، وينبغي أن يتمثلوه، غير أنه وفي ظل الظرف الراهن فإن الطرف الإسلامي يُعد بمثابة الضحية. التسامح الديني ضرورة لها مبرراتها، لكنه وحده (لا يكفي)، وليس باستطاعته نشر السلام والوئام بين شعوب الأرض، ولن يغير من الأمر شيئًا ما لم تبادر المؤسسات السلطوية الغربية (ذات القوة والنفوذ) فتستبدل (التسامح السياسي) بتدخلاتها وغيِّها وتحريشها. ويبقى السؤال الماكر: ما الذي يمنع تلك المؤسسات السلطوية الغربية من المبادرة (بتسامح سياسي) يعزز خطوة (التسامح الديني) لدى المؤسسات الدينية؟ لعل علة الممانَعة تأتي من كونها تعلم أنها لو فعلت ذلك لحل السلام والوئام، ولَفَقدتْ أدوارَها، وفرطت في مصالحها، ولذا فهي لا تبادر، وتكتفي فقط بملهاة (التسامح الديني) الذي يُغرِّر بالضحية مع بقاء مظالم الجلاد وجرائمه بحقها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store