Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

استدعاء «أمين الخولي» لحماية التجديد

A A
بفخر شديد أقول إنني خريج مدرسة أمين الخولي إمام المجددين في العصر الحديث! المدرسة الثانوية للبنين بمدينة أشمون بمحافظة المنوفية، والمدرسة الإصلاحية التي يفوح فكرها الآن في ربوع العالم الإسلامي!

وقبل أن أدخل في موضوع المقال، يهمني كذلك وبفخر أشد أن أقول لمن يعتقدون أن «المنوفية» هي بلد الرؤساء والوزراء فقط، إنه على مسافة كيلومترات بل أمتار من قرية إمام المجددين أمين الخولي، تقع قرية «سنتريس» بلد الدكاترة زكي مبارك، وقبلهما بأمتار تقع قرية «رملة الأنجب» بلد الشاعر الفذ محمد عفيفي مطر، وبالقرب منها «تلا» بلد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وبينهما «منوف» بلد الناقد الراحل الدكتور غالي شكري!

وأعود لأمين الخولي رائد التجديد، الذي رفع شعاره الشهير: «أول التجديد، قتل القديم.. فهماً وبحثاً ودراسة»، وإنه «إذا مضى المجدد برغبة في التجديد مبهمة، وتقدم بجهالة وغفلة عنه.. يهدم ويحطم ويشمئز، ويتهكم، فذلكم -وُقيتم شره- تبديد لا تجديد!

ما أروعك أيها الرائد العظيم أمين الخولي وأنت في أوائل التسعينيات كمن يتنبأ بما سيحدث من مدعي التجديد «الهادمين للماضي، والمحطمين له، والمشمئزين منه، والمتهكمين عليه»!، ما أروعك وأنت تدعو لنا أن يقينا الله شرهم وشر تبديدهم لا تجديدهم!

قال شيخنا الكبير أمين الخولي: أول التجديد قتل القديم فهماً وبحثاً ودراسة، لكن مجددي العصر الآن اكتفوا بهدم القديم دون فهم أو بحث أو دراسة، كمن اكتفوا بجزء من الآية الكريمة :لا تقربوا الصلاة»!

كنت أقرأ في فكر أمين الخولي، عندما وجدت تلميذته الدكتورة يمنى طريف الخولي، تؤكد أن فكرة التطورعنده، لا تُلزم العقيدة الإسلامية بشئ خاص، ولا تكلفها قليلاً أو كثيراً من شطط.. إذ لا تمس فيها كليات ولا جزئيات.. تزيد عليها أو تنقص منها.

إنه أمين الخولي زعيم المجددين الذي لم يتوانَ في طريق التجديد عن واجبه في كبح جماح التطوريين من أمثال سلامة موسى، وشبلي شميل، وإسماعيل مظهر، وكف غلوائهم، حين يجورون على الحق والحقيقة.

لقد جاءت أسانيد التجديد عند أمين الخولي، لا لإرضاء أمريكا أو الغرب، ولا للكيد للتراث بدعوى أنه منبع التطرف، وإنما لأن دعوة الإسلام تمتد أفقياً إلى الناس جميعاً، ورأسياً مع توالي الأزمنة والأجيال.. وهذا الاتساع الزماني المكاني، يجعل مواجهة الإسلام للتغييرات لا مفر منها.. فالبيئات المتغيرة لها حاجات متغيرة ومتطورة، والإسلام قادر دائماً على سد حاجات كل عصر وكل أمة.

هذه واحدة، والأخرى أنه بينما تخوض العقائد البدائية، والأديان الأخرى، في تفصيليات غيبية، وتوصيفات جزئية لقصة الخلق ووقائع حيوات الرسل، كانت الأسس التي تهيئ الإسلام للتطور المحتوم، هي اقتصاد دعوته في الغيبيات، واكتفاؤه بالإجمال العام، فيما يجب الإيمان به.. الله والملائكة واليوم الآخر.. وهذا الوضوح واليسر في العقيدة، لا يدع فرصة للصدام بينها وبين ما يستطيع الإنسان اكتشافه من قوانين الطبيعة، ما يجعل الإسلام أكثر من سواه مسايرة للتجديد والتطوير.

كنت أقرأ لتلميذة إمام التجديد أمين الخولي، وأنا أردد أي روعة هذه، وأي سلالة نبل تلك التي جعلتها تؤكد أو تحذر في شرحها لفكر التجديد عند العم من الحقائق التالية:

-إن تجديد الفكر الديني بمثابة البحث عن طوق النجاة من الانسحاق الحضاري والضياع الثقافي في خضم ما نعانيه الآن من طوفان الانفلاتات الذي لا يتنازعنا فحسب، بل ويتنازع دعائم وجودنا على خريطة العالم.

- لا غرو أن يعقب هذا الانسحاق الحضاري والضياع الثقافي انتهاب الأرض، وغلو الصهيونية، واهتزاز قيم الحرية والعدل، وانحسار العقلانية، وهبوط الوعي.

- تراجع المشروع القومي، وشيوع التعصب، وذيوع التطرف، وفتية تنتابهم هيستريا الفرار المجنون للماضي، أو نوبات علاقات إجرامية بالحاضر!.

- العجز عن الخروج من التبعية للغرب، وهو لا يكتفي بميراثه الإمبريالي والصهيوني الطويل الوبيل من حضارتنا!

تحية لروح أمين الخولي رائد تحديث الأصالة، وتأصيل الحداثة.. تحية لشيخ الأصوليين في التجديد، وشيخ المجددين في الأصولية، وما أحوجنا للدخول من جديد في مدرسة أمين الخولى، أو استدعاء فكره لحماية التجديد من مدعي التجديد!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store