Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

«زكي مبارك» مدرسة «سنتريس» التي واجهت «سوربون باريس» !

A A
فاتني في غمرة الحديث عن أمين الخولي رائد تحديث الأصالة وتأصيل الحداثة.. شيخ الأصوليين في التجديد وشيخ المجددين في الأصولية، أن أشير الى أن زوجته هي الدكتورة عائشة عبد الرحمن «بنت الشاطئ» التي ملأت الدنيا علماً وفقهاً وأدباً، وقد حازت جائزة الملك فيصل وجوائز عالمية أخرى، وهي صاحبة الكتاب الرائع «الشخصية الإسلامية».

ورغم أن «بنت الشاطئ» ولدت في مدينة دمياط، فقد اندمجت مع الناس في قرية «شوشاي» بمركز أشمون بالمنوفية، تهش في وجه هذا التلميذ وتنصح ذاك، وهي لا تعلم أن هؤلاء سيصبحون شعراء وقصاصي ونقاد مصر فيما بعد!

وكنت إذا عرجت من «شوشاي» سيراً على الأقدام أو مستقلاً للدراجة، منحرفاً جهة اليمين قليلاً وجدت «سنتريس» قرية الدكاترة زكي مبارك.. وللقب قصة طريفة حيث حصل الأديب الفذ والشاعر الرقيق والصحفي المشاكس المولود عام 1892 والمتوفى 1952 على ثلاث شهادات دكتوراة آخرها من جامعة السوربون في فرنسا عام 1973.

أما إذا انحرفت الى جهة اليسار فستجد نفسك في قرية «منيل عروس» التي ينتسب إليها ثلاثة ممن تولوًا منصب شيخ الأزهر الشريف، وهم أحمد العروسي وابنه محمد العروسي وحفيده مصطفى العروسي..

لقد كان من حسن الطالع أنني نشأت قريباً من هذه البيئة أو التربة الطيبة، فمدرستي الابتدائية كانت لعبد الرحمن قائد الذي بنى مدرسة لإحساسه مبكراً بحاجة الناس الى العلم، فلما انتهى البناء وضماناً للجدية زوَّج بناته الثلاث لمعلمي المدرسة الثلاثة محمد أفندي قنديل، وقنديل أفندي حجاج، ومحمد أفندي مهدي. أما المدرسة الإعدادية فقد بناها الصحفي الكبير علي الشيخ، الذي عمل مع نبوية موسى ثم مع مصطفى وعلى أمين لتأسيس «أخبار اليوم»، فلما كانت المرحلة الثانوية كنت أتوجه لمدرسة أمين الخولي، أنا ومئات من الطلاب الذين أصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين ومعلمين وشعراء وأدباء.

وأعود (للدكاترة) الذي كان رغم رقته وعذوبة شعره حاداً في النقد الأدبي، وهي الحدة التي كلفته منصبه، بأمر أو بكلمة من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين!

والذي حدث أن عميد الأدب العربي وقف عام 1919 يلقي محاضرته عن إحياء التراث اليوناني، فإذا بالطالب زكي مبارك يقف محتداً ومنتقداً كل ما ورد في المحاضرة وسط إعجاب الطلاب! ووفقاً لما ورد في كتاب (مشاهير القرن العشرين) لهاني أبو الخير، فقد ظل طه حسين حانقاً على زكي مبارك فأسقطه في امتحان الليسانس أكثر من مرة!.

وقد استمرت المعركة بين العملاقين طه حسين وزكي مبارك 9 سنوات كاملة، وحين كانت الأيام تداوي ما بينهما، صدر كتاب زكي مبارك (النثر الفنى) حيث خالف فيه رأى المستشرقين ورأي طه حسين، ليتعمق الخلاف والغضب أكثر فأكثر ويسود جميع أساتذته فى السوربون. في تلك الأثناء كتب طه حسين عن كتاب (النثر الفني) يقول: «كتاب من الكتب ألفه كاتب من الكتاب» رافضًا ذكر اسم زكي مبارك، وهنا استشاط الأديب المنوفي غضباً مخاطباً عميد الأدب العربي قائلاً: «كنت أنتظر أن تفرح بكتابي، لأنه كما تعلم جهد أعوام طوال، ولكن خاب الظن وعرفت أنك وسائر الناس تغضب وتحقد، وكنت أرجو أن يكون عندك شىء من تسامح العلماء..تعال نتحاسب يا ناسى العهد ويا منكر الجميل، لقد مرت أعوام لم يكن يذكرك فيها بخير أحد غيرى، وهل كان فى أصحاب الأقلام من انبرى للدفاع عن طه حسين غير تلميذه وصديقه زكى مبارك. لقد ذكرتك بالخير فى جميع مؤلفاتى؟. فهل يضيع عندك كل هذا المعروف لأنى بددت أوهامك فى كتاب (النثر الفنى)؟».

هذا هو زكي مبارك ابن قرية سنتريس صاحب: «ذكريات باريس» و»مدامع العشاق» و»ليلى المريضة في العراق» و»النثر الفني في القرن الرابع» و»عبقرية الشَّريف الرَّضي»، و»الأسمار والأحاديث»، و»الأخلاق عند الغزالي»و «حب ابن أبي ربيعة» و»اللغة والدين والتقاليد» .. وتلك كانت قريته وبيئته ومعاركه!.

أخيراً، قارن بين معارك ضارية من هذا النوع، وبين معارك تدور حالياً حول فستان ممثلة، واختفاء مطربة، وانتقال لاعب! ثم قارن بين اللغة المستخدمة، ولغة الناس الآن في الشوارع ووسائل المواصلات، وستعرف حجم التجريف الذي تعرضت وتتعرض له بيئة الثقافة المصرية!.

sherif.kandil@al-madina.com

للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 (Stc)، 635031 (Mobily)، 737221 (Zain)

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store