Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

التقنية والصحوة.. الاجتماعية والكونية!

A A
من بداية ثورة المعلومات التي يصعب تحديد تاريخ بدايتها فهي ضاربة في القدم، لكننا لا نريد أن نذهب بعيدًا في تقصى متى وأين وكيف بدأ الإنسان يدون ويؤثر ويتأثر بما يصله من المعلومات كتابة ونطقًا ونقشًا على الحجر في البدايات البعيدة. ومن هذا المدخل نبدأ من مرحلة التسجيل الصوتي على الإسطوانات وأشرطة الكاسيت وأقراص الكمبيوتر، وكما يذكر جيل ما قبل الألفية الثالثة أن إسقاط شاه إيران ومجيء الخميني استخدمت فيه أشرطة الكاسيت والبث التلفزيوني للترويج لحملة إصلاح خيالية، وقد كان من أهم مظاهرها إنزال العلم الإسرائيلي ووضع العلم الفلسطيني محله في طهران واقتحام السفارة الأمريكية ومحاصرة الدبلوماسيين بداخلها لفترة طويلة وكذلك فشل محاولة القوات الأمريكية في إنقاذهم، فتلك الأحداث شبهت بثورة الكاسيت والمعلومات الأولى بما لها وماعليها.

وكردة فعل ظهرت صحوة دينية في الدول العربية بدأت بخطب المساجد وندوات لبعض رجال الدين البارزين، استطاعوا أن يلهموا الشباب ويحولوا الإحباط الذي كان سائدًا إلى صحوة جهادية استُخدم في بثها أشرطة التسجيل والبث الإذاعي صوت وصورة. وعندما بدأ انتشار الحاسب الآلي دخل العالم بأسره في ثورة المعلومات والسوشال ميديا بأنواعها الإبداعية المتعددة فيس بوك وانستقرام وتويتر وغيرها، ورفع الحصار عن كل شيء المباح والمحظور وأصبح العالم بحق قرية كونية صغيرة تجتاحه أمواج العولمة وأعاصيرها على مدار الساعة.. تنقل الأخبار والإشاعات والكوارث الطبيعية بالصوت والصورة إلى كل بقعة في العالم أرضًا وبحرًا وجوًا بدون حدود أو أي قيود تذكر.. وانتشرت وسائل التعلم المجانية لإجادة فن تقنية المعلومات واستخداماتها المتنوعة وبتكاليف لا تكاد تذكر أيضاً مقارنة بما يحصل عليه الإنسان من المعارف والمعلومات الدينية وغير الدينية واستمرت التطورات لما وصلت إليه صرعة العولمة والصحوات المجتمعية التي أثرت في سلوكيات وتعاملات البشر، وأصبح التفاعل المباشر من ضرورات الحياة لمن يجيد فن تقنية المعلومات ويملك أجهزتها المحمولة.

هذه لمحة سريعة عن تطور سريع ومذهل خلال حقبة قليلة من الزمن لا تتعدى ثلث قرن، استفادت منها كل الجهات المسالمة والمعادية للأمن والاستقرار والمنتقمة لبعض مظالم الماضي.

مراكز الدراسات الغربية أخذت التطورات التقنية مأخذ الجد وعكف علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد على الدراسة والتحليل لما يترتب على سرعة انتشار المعلومات وفوائدها الإيجابية وآثارها السلبية على العالم. وكان من أبرز الأطروحات صراع الحضارات لـ(هنتنقتن) البروفسور في جامعة هارفرد وقد كان من أبرز التوقعات الصراع بين العالم الإسلامي والغرب مبنيًا على آثار إسقاط شاه إيران وعودة الخميني وتداعياتها فيما بعد على امتداد المساحة العربية والإسلامية والمواجهة المنتظرة بين الإسلام والغرب من وجهة نظر صاحب أطروحة صراع الحضارات.

سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج الأولى والثانية وتداعيات 11/9وما بعد.. إلى انتفاضة ما سمي بالربيع العربي التي اجتاحت عددًا من الدول العربية.

والنقلة النوعية التي حدثت -في تقنية المعلومات- في الطب والهندسة والنقل وتسهيل كل التعاملات الحكومية والبنكية بشكل دقيق لها آثار عميقة في حياة المجتمعات. كل هذه الأحداث لعبت ثورة تقنية المعلومات فيها أدوارًا فاعلة على كل المستويات وبدون تلك الابتكارات العلمية الخلاقة لم يكن من الممكن انتشار التداعيات وآثارها بالسرعة والفعالية التي شهدها العالم، مثل تخزين المعلومات واستحضارها بدقة فائقة لمن يبحث عنها لتصبح في متناول يديه بدون تحفظ.. واصبح الشيخ قوقل يفتي ويوفر المعلومة في كل شؤون الحياة.. والقادم سيكون أكثر إثارة وأشد وقعًا من الذي حصل خلال أقل من ثلث قرن من الزمن مضت..!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store