Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

فن الحذف.. لا ينهي العزف!

الحبر الأصفر

A A
مَن يُمَارِس الكِتَابَة يَعرف آلَامهَا، ومِن أَبرَز هَذه الآلَام أَلم الحَذْف.. تَصوَّر أَنَّك تَتعب وتَشقَى مِن أَجل كِتَابة بَعض السّطُور، ثُمَّ تُفَاجَأ بأنَّ الرَّقيب؛ أَو النَّفس الأمَّارَة بالتَّميُّز والإبدَاع، تُجبرك عَلَى حَذْف هَذَا السَّطر أَو ذَاك..!

قَبل فَترَة، صَدرَت روَايَة عَن نَادي الطَّائف الأَدبي بعنوَان: «بقّيلي»، للأُستَاذ القَدير «خالد ربيع»، وكَلِمَة «بقّيلي» تَعني: «اترُك لِي شَيئاً مِمَّا تَأكُل أَو تَشرَب»، وهَذا عُرْف مِن أَعرَاف الحَارَة، التي كَانت مُتوهِّجَة؛ فِي سَبعينيَّات وثَمَانينيَّات القَرن المَاضِي..!

لَن أُطيل الكَلَام عَن الرِّوَايَة، لأنَّ الحَديث هُنَا عَن الحَذف، الذي يُجبَر عَليه المُؤلِّف، هُنَا أَو هُنَاك، ومِن هَؤلاء الذين أُجبِروا عَلَى الحَذف؛ الرِّوَائِي خَالد رَبيع، حَيثُ سُئِلَ -فِي مُقَابلةٍ مَعه؛ نُشِرَت فِي صَحيفة الحيَاة- هَذا السُّؤَال:(هَل اضطرَرتَ للحَذْف؟، أَي هَل تَخلَّصتَ مِن تَفَاصيلٍ كَثيرَة؟)..!

فأَجَاب: (كَتبتُ أَضعَاف أَضعَاف مَا تَم نَشره بَين دَفَّتي الكِتَاب، لَكنَّني قُمتُ بالتَّخلُّص مِن الحَشو والزَّوَائِد، وهُنَا كُنتُ أُعَاني كَثيراً مِن حَذف مَقَاطع كَثيرَة، وأَجزَاء مُطوّلة مِن السَّرد، تَعنِي لِي وَلعًا خَاصًّا، أَو بمَعنَى آخَر، مَقَاطع أَحببتهَا، وصَعب عَليَّ التَّخلُّص مِنهَا، لَكنِّي فِي الخِتَام؛ أَصبَحتُ عَنيفاً ومُحترفاً فِي عَمليَّة الحَذف، للدَّرجَة التي أَصبَح فِيهَا الأَمْر؛ سَهلاً ويَسيراً)..!

لقَد أُعجبتُ بالإجَابَة، لَيس حُبًّا فِي خَالِد -مَع أَنَّني أُحبّه- ولَكن لأنَّه تَحدَّث نِيَابَةً عَنِّي، وسَرق الكَلَام مِن فَمي، فلَا يَعرف النَّار؛ إلَّا مَن دَاس الجَمر بقَدمه، ولَا يُقدِّر مُعَانَاة الحَذف والإضَافَة، إلَّا مَن جَرَّب الكِتَابَة، واكتوَى بنَار الثَّقَافَة..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: الكِتَابَة فَنّ، والإضَافَة فَنّ، والحَذف فَنّ، ولقَد صَدق الرِّوَائِي الكَبير «بهاء طاهر»؛ عِندَما سُئِل عَن الإبدَاع؟ فقَال: (الإبدَاع هو فَنّ الحَذف)..!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store