Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

من يصنع الإرهاب؟

A A
لم تمضِ على مقالي (هل يكفي التسامح الدِّيني؟) الذي بينتُ فيه أن التسامح الديني وحده لا يكفي ما لم تبادر المؤسسات السلطوية الغربية بالتسامح السياسي، سوى خمسة أسابيع، لنصحو على فاجعة السفاح الأسترالي المسيحي بحق المصلِّين الأبرياء في مسجدَين بنيوزيلندا. وقد أدان السفاح نفسه بتوثيقه جريمته ليزيل بذلك الاختلاف (المعتاد) على دوافع مثل هذه الجرائم وانتماء منفذيها العقدي، وهو الاختلاف الذي -دائمًا- يُبقي الرجلَ الأبيضَ وعقيدتَه خارج إطار الاتهام. على هذا فيبدو أن الإرهاب سيظل حاضرًا، وستظل الأسئلة المفتوحة عنه حاضرة، ولعل أشهر الأسئلة هو سؤال: من يصنع الإرهاب؟. مجمل الآراء تتركز على سببَين هما (الموروث العقدي والإدارة السياسية)، وهنا يرى الدكتور صغير العنزي في تغريدة له أن الموروث والتاريخ يقفان وراء العمليات الإرهابية فيقول « تابعوا سيرة الإرهابيين هنا وهناك، تجدوهم أشد الناس ارتباطًا بموروثهم وتاريخهم القديم»، فهو يربط ربطًا مباشرًا بين العمليات الإرهابية والموروث والتاريخ، غير أن الدكتور تركي الحمد يرى في تغريدة متزامنة أن نصوص الكتب المقدسة، ونصوص التراث ليست هي من يصنع الإرهاب وأن من يصنعها هي «ثقافة الكراهية التي يروِّج لها البعض، ويوظفون النصوص وفق اختزال معين لدعمها»، ويرى أن «ثقافة الكراهية لا يختص بها دين معين، ولا شعب معين، بل قد تجدها حتى في الأيديولوجيات التي لا تعترف بدين». إذن نحن وفق المفهومَين السابقَين بين موروث عقدي وتاريخ قديم من جهة، وبين بيئة حاضنة لهما من جهة أخرى وأعني بها (الإدارة السياسية)؛ حيث إنه باستطاعة هذه البيئة الحاضنة جعل الموروث والتاريخ أدوات تعايش وسلام، وباستطاعتها جعلهما وسائل لتبرير اعتداءاتها وجرائمها وتعزيزها، وسببًا لنشر ثقافة الكراهية. ولتقريب الفكرة هاكم اليابان، فلديها موروثها العقدي (الشنتوي والبوذي) وتاريخها، ومع هذا لم نجد يابانيًّا قام بعمل إرهابي في أي بلد إسلامي، والعكس صحيح، ودونكم الصين بموروثها العقدي (الكونفوشيوسي والبوذي) وتاريخها، وقولوا عنها ما قيل عن اليابان، وهاكم كوريا ببوذيتها والبرازيل والأرجنتين بمسيحيتهما وتاريخهما، وقولوا عنها ما قيل عن اليابان والصين. قارنوا تلك الدول بدول الغرب (العظمى) تجدوا ألا تشابه بينها؛ فالعلاقة بين الطرفَين (المسلمِين ودول الصنف الأول) يسودها السلام مع أن كلا الطرفَين قائمان على موروثات عقدية راسخة وتاريخ عميق، في حين العلاقة بين دول الصنف الآخر والمسلمِين قائمة على النزاع والتربص، وكلاهما قائمان أيضًا على موروثات عقدية راسخة وتاريخ عميق، وهذا النزاع والتربص جاءا نتيجةً منطقيةً لتعدي دول الصنف الأخير على المسلمِين واحتلال أراضيهم، مستحضرةً الموروث العقدي وموظفةً إياه في إستراتيجياتها، وكل ذلك نتيجةَ أطماع الإدارة السياسية لدول الغرب العظمى حيث تسببت هذه الأطماع في تشكُّل خيوط الإرهاب داخل دوائرها وعززته في مناهجها وإعلامها فكانت هي البادئة. لعلنا نصل بهذه المقاربة إلى إجابة للسؤال المفتوح: من يصنع الإرهاب؟ ليأتي الجواب بأن (الإدارة السياسية الغربية) هي الباعث الحقيقي للإرهاب من خلال حروبها وتدخلاتها ومظالمها، ويأتي موروثها العقدي وتاريخها ليكونا الأداة الطيعة لها حين توظفهما لزرع ثقافة الكراهية ونشرها في محيط الدوائر الغربية، وهو ما استوجب كراهية مضادة عند الطرف المُستقصَد فنتج عن الكراهيتَين الإرهابُ بكل أشكاله وصوره. تلك هي الحقيقة التي يُراد غمطها؛ ليظل الإرهاب حيًّا ماثلاً، وتظل الأسئلة المفتوحة حاضرة، ومَن لا يرى وجاهةً لهذه النظرية فلْيُفَتِّقْ لنا سببًا لعدم حصول عملية إرهابية واحدة قام بها مواطن من الدول الإسلامية واستهدفت يابانيين أو صينيين أو برازيليين.. إلخ -في بلدانهم أو خارجها- والعكس كذلك، مع أن المعتقدات والتاريخ لدى الطرفين بينها من التباين بُعد المشرقَين.. إنها لعبة الإدارة السياسية. ولذا فمن أوجَهِ الحلول لوأد الإرهاب وتحجيم ثقافة الكراهية الالتفاتُ للأسباب بدلاً من الاختلاف على النتائج ولعْنها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store