Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

معضلة الديموقراطيات الشكلية..!

A A
المقصود هنا بـ الديموقراطية «الشكلية» آلية الحكم التي لا تحدد بقاء الرئيس في المنصب فترة زمنية - بداية ونهاية - كما هو الحال في بريطانيا وأمريكا والهند والدول الغربية الأخرى وخلاف ذلك فإن الضغوط ومغريات المنصب تدفع بمن يملك السلطة التمسك بها بكل الوسائل المتوفرة له حتى يُرغم على الخروج من السلطة والسعيد من يخرج وهو على قيد الحياة.

والأدلة على ذلك كثيرة ليرى مقدار الخطأ الذي ما كان له أن يقع فيه لو أحسن إدارة النجاح أو الفشل الذي حققه حتى وإن كان يسيرًا.

الدستور الأمريكي يُعد أفضل وثيقة دستورية موجودة ربما لأنه ولد من رحم الديموقراطية البريطانية أُم الديموقراطيات في العالم، ولأنه أيضًا كان نتيجة لحرب أهلية دامية حُسمت بتوحيد الولايات المتحدة الأمريكية وصياغة دستورها الحيوي الفعال. احتوى الدستورعلى بند تحديد فترة ولاية الرئيس بولايتين الأولى أربع سنوات وبالإمكان إعادة انتخابه لولاية ثانية لمدة أربع سنوات أخرى فقط..، وقد يخرج قبل نهاية المدة لأي سبب آخر يحدده الدستور.. مثل الوفاة الطبيعية أو الاغتيال (جون كندي) أو الاعتزال الاختياري أو التنحية بقوة القانون مثلما حصل للرئيس نيكسون، ولا مجال لتعديل الدستور بحجة تمكين الرئيس من الاستمرار في الكرسي لأن الانتخابات هي فصل الخصام.. خذ فرصتك التي منحت لك من خلال صندوق الاقتراع وسلم السلطة بشكل سلمي ونظامي بما لك وماعليك. شهوة السلطة في معظم الدول العربية أصبحت غريزة. القذافي مكث أربعة عقود والنهاية معروفة، وعلي عبد الله صالح (1978-2012) أزيح بإصرار من الشعب اليمني وعاد من الباب الخلفي ليقحم اليمن في حرب أهلية وأخيرًا انتهى بشكل مأساوى. حسني مبارك خرج بطريقة غير مشرفة كان بإمكانه تجنبها ويبقى بطلًا مدى الحياة. وأخيرًا نهاية الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه المناضل الشهير خلال حرب التحرير وبعدها على المسرح الدبلوماسي العالمي، شهد له الأضداد بمهارته في المحافل الدولية خلال فترة حكم بومدين ومرحلة التحرر الوطني من الاستعمار التي اجتاحت العالم في الستينيات من القرن الماضي وبعد وفاة الرئيس بومدين رفيق السلاح تنحى بوتفليقة واختار المنفى ليعيش بهدوء على ذكرماضيه العريق.

وبعد الحرب الأهلية الأليمة التي مرت بها الجزائر استدعاه الواجب الوطني فعاد ليهندس مرحلة الإصلاح ولمِّ الجروح التي أدارها بحنكته المعهودة ولكنه مع الأسف لم يستثمر ذلك النجاح وقد كان بإمكانه تثبيت النهج المؤسساتي للحكم في الجزائر وتحديد مدة ولاية الرئيس كما هو معمول به في الديموقراطيات المجربة بدلاً من تعديل الدستور ليمنحه إمكانية الترشح والبقاء في السلطة أكبر مدة ممكنة. وبرغم حالته الصحية التي تحول دون تمكنه من القيام بمهام الرئاسة كما ينبغي تقدم للانتخابات لولاية خامسة وعلى إثر ذلك انتفض الشعب الجزائري بطريقة سلمية نالت إعجاب واحترام المراقبين محليًا ودوليًا .. قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاستقالة وطلب من الشعب أن يسامحه على أي خطأ ارتكبه متمنيًا للشعب ولمن يأتي بعده التوفيق والاستمرار في مسيرة النجاح. والسائل يقول ما هكذا تورد الإبل ياسي عبدالعزيز وأنت الذكي المحنك وقد كان بإمكانك التوديع في وقت مبكر والحفاظ على سمعتك العظيمة وتبقى التحية المستحقة بإجلال للشعب الجزائري العظيم المبهر بمستوى الانضباط واللغة العربية التي أجادها بتمكن وإتقان ملتزمين بما قاله بومدين في حوار التعريب بعد الاستقلال «ليس السؤال هل نعرّب أو لا نعرّب.. بل كيف نُعرّب»، والنتيجة ذلك المستوى الرائع لإتقان اللغة العربية رمز هويتهم ونضالهم خلال رحلة التحرر من الاستعمار الفرنسي بعد 130عاماً. وتبقى ممارسات الديموقراطية بطرق شكلية غير مجدية لأنها تجسد شهوة البقاء في كرسي السلطة أكبر فترة ممكنة..!

الاستثناء الوحيد من كل الممارسات - للديموقراطية الشكلية - في العالم العربي المشير عبد الرحمن سوار الذهب خامس رئيس للسودان الذي تقلد المنصب بصفته أعلى قادة الجيش أثناء انتفاضة أبريل 1985م وسلم السلطة في 1986م ليتقاعد وهو قرير العين ويمضى إلى ربه والكل يترحم عليه. وها هو خلفه البشير بعد فترة طويلة في الحكم هل يلبي صرخات الشارع السوداني المطالبة بالرحيل أم أن رغبة البقاء في الحكم ستكون هي الغالبة على كل ما عداها؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store