Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الكيد والكمد.. في وصف أبناء البلد!

A A
درج المصريون على ترديد بعض الأمثال الشعبية في وصف أبناء محافظات الوجهين البحري والقبلي منها، فضلاً على أبناء السواحل. ومن الواضح أن المستعمر البريطاني والفرنسي استغلا ذلك في تمرير بعض الأهداف والغايات المريبة! فالمنوفي «لا يلوفي ولو أكَّلته لحم الكتوفي»، و»الأسايطة.. منايفة الصعيد.. وفي رواية أخرى يهود مصر»، وابن طنطا دائما «يحب عيشة الأونطة»، وينبغي أن «تصاحب حاوي ولا تصاحب محلاوي»، والبورسعيدي «أبوالعربي الذي يبالغ في الفشر»، و»ألف نوري ولا دمنهوري»، والدمياطي بخيل ورافع لشعار «تتعشّى ولّا تنام خفيف؟، تشرب شاي ولّا مش كيّيف»!.

ستلاحظ هنا الحس الكيدي الاستعماري في وصف أو وصم قِيَم البسالة، فما فعله أبناء الشرقية مع أحمد عرابي هو «عبط»، وما فعله وقدَّمه أبناء المنوفية بُعيد حادثة دنشواى «خُبث»، وما قدَّمه أبناء الصعيد «غباء»، وما اتّسم به أبناء دمياط في التعامل ضد الاحتلال البحري البريطاني «بخل»، وما قدَّمه أبناء بورسعيد من مقاومة باسلة «فشر»... وهكذا!

فإن قلت: إن المنوفية هي بلد الفكر والشعر والعلم والأدب والخصوبة، سخروا! وإن أسيوط بلد المقاومة الشعبية والتراث والإرث العظيم من جمال عبدالناصر إلى عمر مكرم، ومن جلال الدين السيوطي إلى ومصطفى لطفي المنفلوطي، زاموا! وإن ابن طنطا هو مصطفى كامل، وعبدالمنعم رياض وسعد الدين الشاذلي، وسميرة موسى الذين ضحَّوا من أجل مصر كلها، دهشوا! وإن بورسعيد هي بلد الشجاعة والبسالة، حمحموا! وإن دمنهور بلد المعرفة والنور المنبعث من الشيوخ محمد عبده وشلتوت، والغزالي والبشري، والمسيري، تركوا الجميع وأمسكوا ببخل الحكيم! وإن قلت: إن دمياط بلد الفلسفة والمهارة والشطارة والحرفية والنجارة العالمية من علي مصطفى مشرفة وزكي نجيب محمود وعبدالرحمن بدوي، إلى فاروق شوشة وطاهر أبوفاشا وأحمد الشهاوي، ضحكوا!

وكنتُ قد تعرَّضت في مقالٍ سابق، لما يُمكن تسميته بالرفض أو العناد أو المعاندة في الحق، التي يتمتع بها أبناء المنوفية، ومن ذلك أن يتصدَّى أمين الخولي لفِكر مدرسة سلامة موسي، وأن يتحدَّى زكي مبارك، الدكتور طه حسين، وأن يواجه المازني عبدالرحمن شكري، وأن يتعنَّت عبدالرحمن الشرقاوي مع عبدالناصر والسادات!

لقد بات من الواضح أن إرث الرفض للجور والظلم ثابت في الأرض، حيث يقتنع الجمع بأن الزبد والنفاق مآله الفناء!.

في هذه البيئة، وُلد مفتي مصر السابق عبدالمجيد سليم في قرية ميت شهالة بمركز الشهداء منوفية عام 1882، حيث تتلمذ على يد الإمام محمد عبده، فلما ذاعت شهرته في النبوغ والتفوق، أطلق عليه الناس اسم «ابن سينا» وعندما رشحه النحاس باشا في وزارته الأولى عام 1928م، مفتياً لمصر، وفي أول ظهور علني، وعندما حاول مسؤول كبير أن يستبدل بعض ممتلكاته العقارية الجديبة بأرض خصبة من أملاك الأوقاف، أعلن الشيخ سليم على الفور أن الاستبدال باطل، ولا يجوز شرعاً لغير مصلحة الواقف!

على أن عناد الشيخ لم يتوقف عند هذا الحد، فعندما تم ترشيح الشيخ مصطفى عبدالرازق -وهو ليس عضواً في هيئة كبار العلماء- شيخاً للأزهر، احتج الشيخ الوقور مهدداً بترك منصبه، قبل أن يستدعيه النقراشي باشا رئيس الوزراء حينئذٍ، محاولاً إغراءه بالمال! لقد كان للشيخ سليم مبلغ كبير محتجز لدى وزارة الأوقاف، هو حصيلة المكافآت الشهرية لقيامه أيضاً على مشيخة الأزهر لفترةٍ طويلة، فلما لوَّح له رئيس الوزراء بالإسراع في صرف المكافأة، غضب وزمجر، وآثر الانسحاب والاستقالة الفورية دون استئذان!

تغيَّرت الحكومة، وتم تعيين الشيخ عبدالمجيد سليم شيخاً للأزهر، «دون أن يلوف»،. ثم كان ما كان، وجاءت ثورة 1952 بكل شعارات العدل والمساواة، وحين بدأت أصابع الضباط الأحرار تمتد للعبث بالأزهر لتعيين رجالها في مناصب قيادية، أعلن الشيخ رفضه، وبادرت حكومة الثورة بمطالبته بالصمت أو الاستقالة.. فقدَّمها طواعية ومضى!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store