Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

تنفّسوا!!

A A
المعنى اللغوي للسكينة هو ذهاب الحركة المضطربة، فيُقال مثلاً سَكَنَت الريح أي ذهبت حركتها المضطربة، وحركة الشيء لا تذهب بالكُلّية مع السكينة لأنّها مُرادِفة للحياة، لكنّ الذي يذهب هو الاضطراب الضار المُصاحِب لها، بينما تظلّ الحركة نافعة بقدرة الله.

والسكينة في الدين هي الاطمئنان الذي يُوجِدُه الله في قلب الإنسان المضطرب من شدّة الخوف، فلا ينزعج من سبب الخوف، بل يزيد من قوّة إيمانه ويقينه.

وطالما تساءلْتُ بيني وبين نفسي عن سبب الاقتران الدائم لكلمة «النزول» مع السكينة في القرآن الكريم؟ لا سيّما وأنّ النزول هو هبوط الشيء من عَلِ، وتساءلْتُ أيضاً عن الشكل الذي يمكن أن تنزل به السكينة من الناحية العلمية؟ هل هي مثلاً غمامة غير مرئيّة تخترق القلب البشري فيسكن بسلام؟ أو هي ملائكة لطيفة تُحيط بأنوارها الإنسان الذي أراد الله له السكينة، فيهدأ قلبه المضطرب، ويرفل في نعيم نفسي جميل؟.

أعتقد، والله أعلم، أنّها وبفضل الله على الإنسان ورحمته به، حتّى على الإنسان غير المسلم، موجودة في الهواء المُحيط بنا، والذي يكون تيّاره قوياً من الأعلى للأسفل، ولهذا تنزل السكينة ولا تعرج، وتبقى طريقة استرزاق السكينة من الهواء هي التي تجعل البعض مُستكيناً والبعض الآخر مُضطرباً، فمن يُجيد التنفّس سيعثر على السكينة، ومن لا يُجيده سيضطرب وتُفارقه السكينة.

وما يُتداول حالياً عن علاج الكثير من الأمراض العضوية والنفسية سواءً المُزمنة أو الحادّة بإجادة التنفّس فيه الكثير من الصواب، ويعتمد على تعلّم وممارسة التنفّس الصحيح عن طريق الأنف، وإدخال أكبر قدر من الأكسجين النقي لمنع أكسدة الخلايا التي تُسبّب الأمراض، ثمّ إخراجه عن طريق الفم، وقد يحتاج الإنسان لأسابيع أو أشهر حتّى يُجيد التنفّس الصحيح، ويجعله قريناً دائماً لدقائق حياته وثوانيها، حتّى أنّ العديد من الأطبّاء في الغرب أصبحوا يوجّهون مرضاهم بكلمة واحدة فقط هي «تَنَفَّسوا»، وبعضهم عالج ضغط الدم المرتفع الذي ينتج عن اضطراب ضخّ الدم للجسم لأسباب عديدة، وكذلك الاكتئاب بواسطة سكينة التنفّس، فلله المِنّة إذ يُنزّل سكينته وينثرها هدايا مجّانيّة في هوائه على خلْقِهِ، فمن قَبِلَها كان من الفائزين، ومن أبى فهو من الخاسرين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store