Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

زمن الطيِّبين.. باقٍ إلى يوم الدين!

الحبر الأصفر

A A
بَدَأَتْ -فِي الآوِنَةِ الأَخيرَة- تَتكرَّر كَثيراً جُملة «زَمن الطيِّبين»، وهَذه العِبَارَة -لَو طبَّقنَا عَليهَا معيَار مَفهوم المُخَالَفَة؛ عِندَ أَهل الفِقه- لكَان مَدلولهَا أَنَّ هَذَا الزَّمَن؛ لَا عَلَاقَة لَه بالطيِّبين، بَل نَحنُ فِي زَمنِ الأَشرَار والسيِّئين..!

أَكثَر مِن ذَلِك، هُنَاك عِبَارَة أُخرَى تَتردَّد، وهِي قَولهم: (لقَد أَدرَكتُ الزَّمن الجَميل)، وكَأنَّنا نَعيشُ الزَّمن الرَّديء..!

لقَد حَاوَلتُ أَنْ أُفكِّر فِي هَذه العِبَارَات، وأَستوعبهَا وأُحلِّلهَا، فوَصَلتُ إلَى نَتَائِج قَد تَكون مُهمَّة، ورُبَّما تَجعلني مُرشَّحاً لأَحصُل عَلَى جَائِزَة نُوبِل؛ فِي حَقل عِلم الاجتمَاع، وأَهمّ هَذه النَّتَائِج، هِي:

أوَّلاً: إنَّ مَن يَقول مِثل هَذه العِبَارَات، هو بالتَّأكيد شَخصٌ تَجَاوز الأَربعين، لِذَلك مَجمُوع فِي قَولِكَ: «كَبَرْبَر»..!

ثَانياً: قَائِل هَذه العِبَارَات لَا يَعيش الوَاقِع، ولَا يَتمتَّع بمَزَايَاه، بَل هو يَسحب ويَجترّ مِن الذَّاكِرَة؛ أَكثَر مِمَّا يَتفَاعل مَع مُحيطه اليَومي، ومَعَاشه الحَاضِر، لِذَلك تَشعر أَنَّ «محمد عبده» يَعنيه، عِندَمَا قَال: (خَلِّينَا فِي الحَاضَر نَنسَى اللي كَان)..!

ثَالِثاً: هُنَاك مُبَالَغَة فِي وَصفِ الزَّمن المَاضِي بالجَميل، ومِن الإنصَاف أَنْ نَقول: إنَّ لكُلِّ زَمَنٍ مَزَايَاه وعيُوبهِ، وعَلَى هَذَا يُمكن أَنْ نَقيس الأمُور..!

رَابِعاً: إنَّ جَمَاليَّات ذَلك الزَّمَن؛ لَيسَت جَميلَة فِي حِينهَا، بَل هي جَميلَة الآن، بَعَد أَنْ تَقدَّم الإنسَان فِي السِّنِّ، لأنَّه يَعيش الذِّكريَات، وفِي ذَلِك تَقول الرِّوائيَّة «آجاثا كريستي»: (لَا يَستَوعب المَرء اللَّحظَات ذَات الأَهميَّة الحَقيقيَّة فِي حيَاتهِ، إلَّا عِندَمَا يَكون الأوَان قَد فَات)..!

خَامِساً: مَن يَقول إنَّه مِن زَمنِ الطيِّبين، يَعنِي أَنَّ الزَّمَن الجَميل مُرتَبط بتَاريخه الشَّخصِي، ولَيس بالحَقَائِق، فأَنَا مَثلاً: عِندَمَا أَرَى بَيتاً مِن الطِّين أَتفَاعَل مَعه، لأنَّه جُزءٌ مِن تَاريخي الشَّخصِي، ولَكن لَو مَرَّ بجَانِب نَفس البَيت رَجُلٌ مِن «الفلبِّين»، أَو مِن جُزر «الواق واق»، فإنَّ البَيت لَا يَعني لَه؛ أَكثَر مِن كومَةٍ مِن الطِّينِ والتِّبن..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّني عِشتُ الزَّمن الذي تُسمّونه جَميلاً، وعَاصَرتُ النَّاس الذين تُسمّونهم طيِّبين، ومَازلتُ أَعيش الزَّمَن الجَميل، ومَع النَّاس الطيِّبين، فالجَمَال والطِّيبَة فِي كُلِّ العصُور، وتَأكَّدوا أَنَّكُم أَيضاً تَعيشُون -أَثنَاء قِرَاءَة مَقَالِي- زَمناً جَميلاً، ولَن تُدرِكُوا الأَمر، إلَّا بَعد مرُور عَشر سَنوَات؛ مِن قِرَاءَة هَذا المَقَال، لأنَّ الجَمَال مُرتَبط بالذِّكريَات، ولَيسَ بالوَاقِع اليَومي للحيَاة..!!

@Arfaj1

Arfaj555@yahoo.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store