Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

ماراثون.. بين الحق والباطل

A A
«الماراثون» كلمة من جذر اللغة اليويانيَّة، معناها: اختبار تحمُّل رياضة العدو لمسافة قرابة اثنين وأربعين كيلومتراً. وتعود التسمية إلى معركة (ماراثون) التي نشبت بين اليونانيِّين والفرس في منطقة ماراثون اليونانيَّة عام 490 قبل الميلاد، التي انتصر فيها اليونانيُّون. وبعد الانتصار خرج من بين المتقاتلين يوناني جريًا على قدميه إلى أثينا قاطعًا مسافة قدرها أربعين كيلو مترًا ليُخبر مواطنيه بالنصر، ومن ثمَّ سقط ميتًا من التعب والإرهاق.

وتخليدًا لتلك الحادثة، يُشارك كثيرون في عددٍ من مدن العالم مِن عُشَّاق رياضة الجري على تعدُّد أعمارهم وألوانهم وثقافاتهم في (الماراثون). ودخلت كلمة (الماراثون) قاموس المنافسة في الألعاب الأولمبيَّة، كما أدخلها بعض الطامعين الاحتكارييِّن لتحقيق مكاسب غير رياضيَّة بعيدة عن الأخلاق والأعراف؛ منها (ماراثون) الدول المتحكِّمة باقتصاد العالم لاحتكار الشعوب الضعيفة ونهب ثرواتها. فتجدهم يتسابقون في (ماراثون) سلطوي إلى غنائمهم، مسبوقين بمرتزقة يثيرون نعرات الفتن والانقسامات والحروب الأهليَّة، ليسهل على أوائل الواصلين في سباقهم فرض سلطتهم، وتسير أمور البلد المستهدف وفق مصالحهم القوميَة والعقائديَّة.

يتَّضح ذلك جليًّا في عدد من بلداننا العربيَّة التي ضربها (ماراثون) القوى العظمى، كالعراق وسورية وليبيا، وقبلها فلسطين التي قدَّموها على طبقٍ من ذهب للصهاينة، شذَّاذ الآفاق، ليُقيموا فوق ترابها المقدَّس دولة إسرائيل، ويضيفوا إليها هضبة الجولان السوريَّة مؤخَّرًا بعد أن أوقدوا نيران الفوضى الهلَّاكة لتمزيق النسيج الوطني لبلدان شرق البحر الأبيض المتوسِّط العريقة بحضارتها، ضمانًا لبقاء يد ربيبتهم إسرائيل الضارية الأقوى العليا في العالم العربي، ودعمًا من وراء ستارٍ للمدِّ الفارسي الذي يعمل على رفع راية الهلال الصفوي فوق سماء البلدان العربيَّة، أملًا بالقضاء النهائي على فلسطين، وتوطين أهلها في البلدان التي تشرَّدوا إليها. والحال ذاته مع العراق؛ وقد دمّرت بنيتها التحتيَّة وهدّمت آثارها، وسورية التي وقفوا مع سفَّاحها ليستمرَّ في هدم مدنها وقراها وآثارها، وتشريد من نجا من القتل والاعتقال في أرجاء العالم. ومَن يطّلع على تاريخ الماراثون التسلُّطي الذي انطلق من أوربَّا باتِّجاه العالم الجديد في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي لنهب ثرواته الذهبيَّة وموارده الطبيعيَّة الثمينة، مع إفناء ما يقارب المئة مليون من سكِّانه الأصليِّين، لا يستغرب هجمتهم اليوم على العالم العربي، ومن قبل على شعوب الهند والصين والشرق الأقصى. ومع هذا نؤمن بأنَّ الحقَّ -ما دام أصحابه يطالبون بهٍ- يعلو ولا يُعلى عليه. وأنَّ للظلم جولة وللحقِّ جولات. وعلى الباغي تدور الدوائر. ولنا من هدي كتابنا: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ)، (ماراثون) حقٍّ مُقابلٌ؛ هديًا وعقيدةً وإيمانًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store