Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

بل يُفسد للودّ ألف قضية!!

A A
· لو أجريتَ استفتاءً بسيطاً عن أكثر المقولات المأثورة استخداماً في حياتنا اليومية، لجاءت عبارة (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية) ضمن المقولات العشر الأوائل ! خصوصاً في السنوات الأخيرة التي انفتح فيها مجتمعنا على الكثير من الثقافات والمفاهيم الفكرية؛ بعد قرون من الانعزال والانكفاء الذاتي. صحيح أننا استهلكنا هذه المقولة لفظياً و (لاكتها) ألسننا بشدة، لكن الواقع الملموس يقول إن أي اختلاف في وجهات النظر مازال كفيلاً بأن يقيم الدنيا ولا يقعدها، وأن يفسد للود مليون قضية في مجتمعاتنا العربية.. بل إن الأمر يتعدى في أحوال كثيرة مسألة فساد الود، ليدخل في موسوعات الشتائم و الردح والأوصاف البذيئة!

· في العام 2011 وعندما كانت الثورات العربية أقوم من ساق على قدم كما يقول المتنبي.. كتبت مقالاً حذرت فيه من خطر قناة الجزيرة، التي كانت تنفخ في نيران الفتنة مستغلة شعبيتها ووقوع الملايين تحت سيطرتها، ورغم أن المقال كان مجرد (رأي) ، لكن مخالفته للسائد في ذلك الوقت كانت كفيلة بأن يفتح عليّ أبواب الاتهامات بالرجعية والدكتاتورية من أناس كانوا واقعين تحت تأثير مخدر (ألاعيب) الجزيرة. والمضحك أن هذا الأمر لم يكن مقصوراً على العامة والبسطاء من أمثالي، بل وصل حد المثقفين وأصحاب الرأي، فقد أغضب رأيي أحد الزملاء الكتّاب ممن كانت تربطني بهم علاقة جيدة، وبعد أن كان يتغنى بما أكتب، انتابته غضبة مضرية، ولم يكتف بأن كتب رأيه المخالف بحدة تقترب من حد الصفاقة والشتم على الفيس بوك، بل حمله الحماس إلى أن يرسل إليَّ برسالة فيها من الاتهامات ما يكفي لتجريدي من وطنيتي ونزاهتي.. ولك أن تضحك إن علمت أنه قد قطع علاقته الإلكترونية بي حميّة في قناة الجزيرة وأهلها!

· اليوم وبعد أن أثبتت الأيام صحة ما ذهبت إليه وظهر للملأ خطر هذه القناة المارقة؛ وبعد اختفاء زميلنا العزيز، لا أكتب هذا انتصاراً للذات بل أكتبه استشهاداً على ضعف ثقافة الاختلاف في معظم طبقات وشرائح المجتمعات العربية؛ حتى المثقفة منها.. وهذا له أسبابه التاريخية، فقد نشأ العقل العربي على فكرة (المغالبة) والانتصار للنفس وللرأي حتى وان كان خاطئاً؛ منذ أيامِ (ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا) التي مازالت تجد رواجاً وتكراراً في مناهجنا وأدبياتنا حتى اليوم!.. كما أن سقوط بعض النخب الفكرية وبعض القنوات الاعلامية في هذا الداء من أهم أسباب بقائه.. فكيف يحدث التغيير لأمة مازالت تشرب من إرث وثقافة عقول ترى في الرأي الآخر شذوذاً يجب أن يعاقب صاحبه ‏، تدعمه في هذا برمجة تعليم ترى هي الأخرى أن من الخطأ الخروج عن طريقة التفكير الأحادية للأستاذ؟!.

·‏ إن الجهل بثقافة احترام الرأي هو السبب الأكبر في عدم نفاذها في العقلية العربية.. لقد حولنا هذا الجهل ‏الى نسخ مكررة غير منتجة لأنها تخشى التفكير، وإلى شعوب نمطية تحب من (يوافقها) الرأي، وتكره وتنبذ من ( يخالفها) أو ينقدها.

· أليس من المضحك يا سيدي أن الحكيم في نظرنا لم يعد هو من يزودنا بما نجهله بل أصبح هو من يتفق مع آرائنا؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store