Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسن ناصر الظاهري

متسولون أغنياء

A A
بعد يومين، سيكون شهر رمضان قد حلَّ علينا بخيره ورزقه وبركاته، وستنشط فيه شبكات المتسوِّلين، كما جرت العادة، يجوبون الطرقات ويطرقون أبواب البيوت، وبعضهم يستظل بظل الإشارات الضوئية دون خوفٍ ولا وجل، بالنظر لأن موظفي مكافحة التسول صائمون. عشرات الآلاف من المتسولين ينشطون في أهم مدن المملكة هذه الأيام، تقودهم عصابات منظمة يستغلون عطف المواطنين والمقيمين، من بينهم أطفال ونساء وذوو إعاقة وإصابات جسدية، ليس من أجل الحاجة، ولكن من أجل الثراء. في الكويت الشقيقة ألقى رجال المباحث -قبل أيام- القبض على إمام مسجد بنجلاديشي الجنسية؛ يقوم بجمع تبرعات، ويستولي عليها لنفسه، وعثروا في مسكنه عند تفتيشه على مبلغ 30 ألف دينار كويتي، جمعها خلال شهر واحد، واعترف بأنه يقوم بذلك لعدة سنوات.

أعرف متسولاً منذ عام 1990 في بلد عربي يجمع تبرعات لبناء مسجد، ولازال حتى تاريخه، ومن بين أطرف عمليات التسول ما أقدم عليه متسول ماليزي مقيم في الرياض، كان يحمل لافتة مكتوباً عليها (التبرعات تبدأ من 500 ريال وحتى 2000 ريال). وفي شهر فبراير 2016 تم إلقاء القبض على متسول في مدينة الدمام، وكان في حوزته 150 ألف ريال، كانت حصيلة شهر واحد فقط.

وفي مدينة جدة، تم إلقاء القبض على متسوِّلة كان في حوزتها 1.6 مليون ريال، وتسكن في منزل متهالك.

أذكر هذه الدلائل حتى يعي إخوتي بأن معظم المتسولين ليسوا في حاجة، وإنما اتخذوها مهنة لهم، ورأوا فيها تجارة رابحة.. إضافةً إلى أنها قد تساهم في تمويل منظمات إرهابية، وكانت وزارة الداخلية قد حذَّرت من تعاطف المواطنين والمقيمين مع المتسولين، وعدم تقديم أي مساعدة لهم، حتى لا يُستغل هذا الأمر في دعم أي جماعات مشبوهة.

التسول ظاهرة عالمية، ليست وقفاً على بلادنا، وقد أعجبتني جملة قرأتها حول ظاهرة التسول تقول: «لا وطن لظاهرة التسول في العالم»، ففي كل بقاع الأرض -الغنية منها والفقيرة- تجد بصمة لقومٍ يطلبون المال. في أهم شوارع (موسكو ولندن) رأيتُ بعيني العديد من المتسولين، تتخطَّاهم أقدام المارة، وهم ممدَّدون على أرضية وعلى مداخل الأنفاق، لا أحد يكترث لهم ولا يتعاطف معهم، وللبريطانيين حق في عدم تصديق حاجة أولئك، فقد نشرت صحيفة (الديلي ميل) مرة صورة لمُتسوِّل يدعى (سايمون رايت)، وهو يخرج منذ 5 سنوات من منزله الفاخر صباح كل يوم، ليتسوَّل 8 ساعات، ويحصل على إيراد يومي من التسوُّل يبلغ (500) جنيه إسترليني، واستطاع (رايت) أن يملك منزلاً فاخراً في (نايت بريدج) من أرقى أحياء لندن.

ويرى الدارسون لهذه الظاهرة بأن ما يزيد من انتشارها، هو عدم إدراجها -في كثير من الدول- ضمن الجرائم التي يُعَاقب عليها القانون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store