Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

لا شيء يعدل الأمن

A A
مع كل حادثٍ إجراميٍّ -فرديٍّ أو جماعيٍّ- يمس أمنَنا على ثرى وطننا الغالي تتوارد على خاطري صورٌ من حالات انعدام الأمن الذي كان باسطًا رداءه على كل جزء من أجزاء وطننا قبل أن تتحقق هذه الوحدة الفريدة التي قامت على شهادة التوحيد، وعلى تطبيق الشريعة الإسلامية التي حفظت الأرواح والممتلكات، وأرست دعائم العدل والحق، وألَّفتْ بين القلوب، حتى غدا وطننا واحة أمن ودوحة سلام، ترعاه عناية الله، وتسهر على راحته قيادةٌ واعيةٌ حكيمة، جعلتِ الأمن هدفها الأسمى الذي لا تقبل المساومة عليه، ولا تتهاون مع من يقترب منه، فضلاً عن أن يمسه بسوء. الأمر الذي لاشك فيه أنه لن يشعر بمعنى الأمن وأهميته إلا من عاش فترة انعدامه، ولأن معظم -إن لم تكن كل- الأجيال الحالية أتت في فترة سيادة الأمن وزوال الخوف، وقلة قليلة منها عاشت نهايات انحسار الخوف وانعدام الأمن فإن الحديث عن الأمن وأهميته، وضرب الأمثلة بما كان في الزمن القريب، كلها لن تصل إلى سويداء قلوبهم؛ كون الحديث هنا عن أمر غير مشاهد ولا محسوس. ومع هذا فإن شواهد انعدام الأمن في الأزمنة السابقة لاتزال حاضرة بكل وضوح؛ فمن يعرِّج على قرى جنوب المملكة -وخاصة الجبلية منها- يعجب من كثرة القلاع والحصون المتناثرة بتناثر تلك القرى، فلا يكاد يدلف قريةً إلا ويجد فيها وحولها عددًا من الحصون والقلاع، محكمة البناء، متطاولة الارتفاع، غاية في الإتقان. وجود هذه الحصون والقلاع يدل دلالة أكيدة على أمرين لا نزاع فيهما: الأمر الأول- على تاريخية تلك القرى وعراقتها، وأن ساكني تلك القرى كانوا ذوي أسبقية ومكانة وثراء وسيادة ولذا شيَّدوا تلك الحصون والقلاع، ولم يكونوا طارئِين عليها، أو مترحِّلين نزلوا فيها قريبًا فترةَ سيادةِ الأمن والرخاء وبالتالي لم يكونوا بحاجة لتشييد الحصون والقلاع، الأمر الأخير- يدل دلالة أكيدة على أن الأمن كان معدومًا، ولذا عمد ساكنو تلك القرى لتشييد تلك الحصون والقلاع لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من الأعداء والعابثين. وحينما أضرب مثلاً بقرى الجنوب فلأن شواهد انعدام الأمن لاتزال صامدة شاهدة، مع يقيني بأن الأجزاء الأخرى من الوطن جميعها كانت تعيش الحال نفسها، وكانت لدى ساكنيها وسائل دفاع وحماية، وليس شرطًا أن تكون حصونًا وقلاعًا؛ كونها مناطق غير جبلية، إنما المؤكد أنه كانت لهم وسائلُ تحصُّنٍ وحماية، غير أن عاديات الزمن أتت عليها؛ كونها ليست بمنَعة الحصون والقلاع وصلابتها. الأمن نعمة، واختلاله يعني حياةً لا طعم لها، وخوفًا لا أمن معه، وتشردًا دون قرار، وجوعًا لا شبع معه، وجهلاً وأمراضًا وبلاءً ورزايا وشقاء، يعني تحري ساعة الرحيل بيد الغدر أو بيد المرض والجوع والعطش. جيل اليوم بحاجة لصدمة تخرجه من حالة الغفلة وحالة عدم استشعار أهمية الأمن والاستقرار، جيل اليوم -وكلنا أصبحنا في حكم هذا الجيل- لا يطيق انقطاع الكهرباء، ولا انحباس الماء، جيل اليوم يسخط حين تنقطع شبكة الاتصال، ويتميز غيظًا حين تختفي جرة الفول أو حفرة الحنيذ، أو يُغلِق محل البطاطس أبوابه، فما هو فاعل حين اختلال الأمن لا قدَّر الله؟! وقتها لا راحة ولا كهرباء ولا ماء ولا شبكة اتصال ولا بطاطس ولا مباراة ولا جلسة سمر ولا سينما..إلخ. ليعلمِ الجميع أنه -بعد فضل الله- لولا تطبيق الشريعة الغراء، ولولا حكمة قيادتنا وحزمها، لكانوا في كل وادٍ يهيمون، خائفِين مشردِين جوعى، فعلى مَن لعبتْ شياطِين الإنس بفكره ضد وطنه أو مواطنِي وطنه أن يتعوذ منها قبل أن تتبرأ منه، وعلى من يمارس العنتريات والهياط أو البذخ وكُفر النعمة أن يؤوب لرشده قبل أن يأتي عليه يوم يبحث عن الأمن والنعمة فلا يجدها إلا تحت أقدام أعدائه.

بَوْح:

يا مَوطِنِي كُلُّ شِبرٍ فيكَ يأسرُنِي

وَذِي تَضاريسُهُ تَغفُو علَى بَدَنِي

في كلِّ سَهلٍ وفي وادٍ وفي جَبَلٍ

ألقاكَ يَا مَوطِني شَدْوًا علَى الفَنَنِ

ألقاكَ بُحْبُوحةً للأمنِ أيكتُها

تَشدُو بها الطيرُ ألحانًا على أُذُنِي

دوامُ عزِّكَ بالإسلامِ مَوثقُهُ

فلتَبْقَ يا مَوطِني شَدْوِي ومُفْتَتَنِي

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store