Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

شهر الصيام في مسلسل البرِّ والإحسان

A A
وهلَّ عَلى العالم شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هداية لبني البشر، وما يزال حالنا على ما كان عليه في الشهر الكريم الذي ودَّعناه قبل عام وما سبقه من أعوام كذلك.. الغالبيَّة على ما يبدو ما تزال تحرم نفسها من روحانيَّة الشهر الكريم، وتقضي الليالي حتَّى ساعات الفجر الأولى منه في سهر وسمر ولغو الحديث، ومتنقِّلين مع الهواتف الذكيَّة يتابعون على انفرادٍ مواقع التواصل الاجتماعي، أو على القنوات الفضائيَّة العربيَّة التي اتَّخذت من شهر العبادة والتقرُّب إلى الله موسمًا لجذب المشاهدين إلى مسلسلاتها التي تعرضها على مدى الأربع والعشرين ساعة، ومعظمها مبتعد كلَّ البعد عن روحانيَّة الشهر المبارك، متناسين حكمة الله في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلِيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾، مع أنَّ المعروف لدى المتديِّنين كافَّة أنَّ الصيام يتعدَّى الإحساس المادي بالجوع والعطش وغيرهما إلى الإدراك الروحي لنعم الله وأفضاله، والإحساس المعنوي بآلام الآخرين ومعاناتهم وهمومهم ومشاكلهم بالامتناع عن الطعام والشراب من ساعات الفجر الأولى حتَّى غروب الشمس، وإفطارهم على حبَّات من التمر وقليل من الشراب والطعام امتثالاً بهدي رسولنا الكريم: «مَا مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
ترى العديد من الصائمين ينتظرون بلهفة لحظة غروب الشمس ليملؤوا البطون بأصناف متعدّدَة من الطعام والشراب تفوق قدرة المعدة على استيعابها وهضمها، وبالقرب منهم جياع بحاجة إلى شقِّ تمرة وكسرة خبز يقتاتون عليها.. في الوقت ذاته، نجد عددًا من الأثرياء ومنهم حديثو نعمة ينصبون طوال شهر رمضان «موائد الرحمن» أمام بيوت الله وفي الميادين والساحات العامَّة من قرب غروب الشمس حتَّى وقت الإمساك، وعلى الموائد ما تشتهي البطون من مقبِّلات وأصناف الطيور واللحوم والأسماك والأرزِّ والمعجَّنات والسلطات والحلويات والفاكهة تفوق قدرات قاصدي موائد الإفطار والعشاء والسحور من المحتاجين وغير المحتاجين.. ولو نُقل ما على تلك الموائد من طعام وشراب إلى جمعيَّات البرِّ والإحسان لتصنَّع وتعلَّب وتوزَّع على المحتاجين كلًّا في مساكنهم وعلى دور الأيتام لكان أفضل وأكثر سترًا على من قسا الدهر عليهم، امتثالًا لهدي رسولنا الكريم: «يَا أّيُّهَا الناسُ افشوا السلامَ وأَطعموا الطعامَ وصلُّوا بالليلِ والناسُ نيامُ تدخلوا الجنَّة بسلام».. وقوله تعالى في محكم التنزيل: «وَالَّذينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store