Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

إيران..من شراء الوقت إلى بناء الحل

A A
في مواجهة أزمات سياسية مستحكمة، تستدرج أطرافها باتجاه نقطة الانفجار، تحت وطأة تصعيد مستمر، ينبغي التمييز بحرص، بين شراء الوقت، وبين بناء الحل.

يحاول الإيرانيون في الأزمة الراهنة شراء المزيد من الوقت، قبل بلوغ نقطة الانفجار، بهدف تفكيك موقف دولي وإقليمي ضاغط، نجحت الولايات المتحدة وبعض قوى الإقليم في بنائه على مدى أكثر من عامين.

وبنفس القدر، تسعى الولايات المتحدة، الى شراء المزيد من الوقت، قبل بلوغ نقطة الانفجار في الأزمة الراهنة، بهدف تفكيك التحالفات الإقليمية بين طهران وبين شركائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، مع توقعات أقل بإمكانية أن يتمدد التفكيك ليشمل لاحقاً، تفكيك بنية النظام الإيراني ذاته.

يعرف الطرفان، الأمريكي والإيراني أن بلوغ نقطة الانفجار، باندلاع حرب مباشرة وشاملة، هو خيار ينبغي تجنب الوصول إليه، ويعرفان أيضاً أن الإفراط في شراء الوقت، قد يقود الى استدامة الأزمة، وانتقالها من «منطقة التأزيم المصنوع» الذي يمهد لانتاج الحلول وتهيئة الأطراف لتقبلها، الى «منطقة التأزم المزمن»، بما يستتبعه من إنتاج آليات التعايش مع الخطر، بكل انعكاساتها اللاحقة على الاستقرار والتنمية.

يراهن الإيرانيون على إمكانية شراء عامين في الأزمة الراهنة، ريثما يتم إزاحة الرئيس الأمريكي ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر من العام المقبل، بل إن بعض أصحاب النفس الطويل داخل تركيبة النظام ذاته، يستعدون بخطط لشراء خمس سنوات أخرى، بفرض فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية تنتهي في عام ٢٠٢٤.ولدى الملالي خبرات كبيرة لشراء الوقت،راكموها على مدى أربعين عاماً منذ الثورة التي أطاحت بالشاه السابق وحملتهم الى السلطة في طهران.

أما ترامب فلا يريد الذهاب الى الحرب، ويفضل هو أيضاً شراء الوقت حتى تفعل العقوبات الأمريكية المشددة فعلها، مستلهماً دور الضغوط الاقتصادية، وخطط الاستنزاف الأمريكية في تفكيك الاتحاد السوفييتي السابق قبل ثلاثين عاماً فقط.

شراء الوقت إذن، قد يحقق مصالح الولايات المتحدة، وقد يحقق أيضاً مصلحة للملالي في طهران، لكنه قد يكون عاملاً ضاغطاً على دول الإقليم، يستنزف مقدراتها، ويضعها في حال استنفار مزمن في مواجهة تهديدات محدقة، ولهذا فإن أي مقاربة إقليمية لمعالجة الأزمة، ينبغي أن تستهدف بناء الحل، وليس شراء الوقت، وإن كان منطق السياسة يقتضي الاعتراف بأن بناء الحل يحتاج بدوره الى وقت كاف يتعين شراؤه أيضاً.

كمواطن عربي أنتمي الى هذه المنطقة بالمشاعر وبالتاريخ وبالمصالح، فإنني لا أقبل، ولا أستطيع العيش طويلاً، تحت طائلة تهديد مزمن من خطر في الجوار القريب.

ولهذا فإن استئصال عوامل التهديد، يجب أن يكون هدفاً إستراتيجياً يتبناه عرب الإقليم، وأن استدامة الأمن الاقليمي تقتضي -كما قلت في المقال السابق- إضعاف طهران عبر عمل منهجي، يستهدف تقليص حضورها الإقليمي في اليمن وسوريا ولبنان والعراق.

كما تقتضي كذلك تقوية الأطراف الإقليمية المستهدفة بالتهديد الايراني، باعتبار أن توازن القوى الإقليمي هو العامل الحاسم لضمان سلام مستدام، وأن عوامل القوة الذاتية لدى دول الإقليم المستهدفة بالتهديدات الإيرانية،هي الأساس عند وضع أية استراتيجية للأمن في المنطقة.

الاستعداد الجيد للحرب، هو أفضل السبل لتجنب حدوثها، وأظن أن هذا هو ما يجري الآن، لكن متطلبات السلام أصعب وأعلى كلفة بكثير من متطلبات الحرب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store