Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

شروط بومبيو ولا شروط ترامب

A A
لمعت عينا ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية الأمريكي مطلع التسعينيات، وفتر فمه عن ابتسامة إعجاب بالذات، بدت معها أسنانه التي علاها الصدأ بتأثير التدخين المفرط، ورفع رأسه الي مؤكداً، أن الرئيس العراقي -آنذاك- صدام حسين، لا يستطيع أن يقبل كافة شروط الولايات المتحدة لرفع الحصار عن العراق، لأنه ببساطة» لن يكون هناك ساعتها صدام حسين»..» سوف يسقط الرجل ونظامه».

هكذا، كانت الادارة الأمريكية تدير بوعي، ضغوطاً بالسياسة وبالاقتصاد، وبالحرب، تعرف أنها تقود حتماً الى تفكيك نظام لم تعد لديه القدرة حتى على الاستسلام!.

كان ذلك ممكناً في سنوات كلينتون الأولى، بينما كان الاتحاد السوفييتي قد انهار، فيما يجري تفكيك روسيا ذاتها، بحروب الشيشان وأنجوشيا، وبقوارير لا تنتهي من الفودكا طالما عب منها الرئيس الروسي بوريس يلتسين، لينسى مشاهد السقوط الإمبراطوري المهين.

كانت أمريكا في موضع القوة المطلقة، وكانت روسيا والعالم في موضع العجز شبه المطلق.

لحظة في التاريخ، ما عاد ممكناً تكرارها.

اليوم، تبدو إيران في موضع عراق التسعينيات، وتبدو أمريكا ترامب وبومبيو، في موضع أمريكا كلينتون ووزير خارجيته وارين كريستوفر، الذي وصفته دوماً بالوزير القادم من حقول النفثالين، لكن الظرف الإقليمي ليس هو ذاته، والظرف الدولي ليس هو ذاته، بل إن الظرف الذاتي في أمريكا وفي ايران ليس هو ذاته أيضاً، ولهذا فإن تصور أن يمضي خامنئي الى حيث مضى صدام، أو أن يمضي ترامب الى حيث مضى جورج بوش الابن، لا يبدو دقيقاً، ولا قابلاً للاستدعاء.

يعرف مايك بومبيو وزير خارجية ترامب، أن شروطه الاثني عشر لرفع العقوبات عن طهران، هي شروط مستحيلة مثل تلك التي لم يتمكن صدام من قبولها لرفع الحصار عن العراق، لكنه في إطار بناء مركز تفاوضي، يصر على التمسك بها، بينما يقول الرئيس الأمريكي ترامب انه يجلس بجوار الهاتف بانتظار موافقة إيرانية على الدخول في مفاوضات وصفها ترامب بأنها (دون شروط مسبقة)!!.

ما يريده ترامب،هو إعادة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني، ومعالجة الخلل الذي اعتور الاتفاق السابق، الذي أتاح لطهران مواصلة تطوير برامجها للصواريخ الباليستية، ومواصلة التمدد في الجوار العربي داخل العراق ولبنان وسوريا واليمن.

شروط بومبيو الاثنا عشر هي:

١- الانسحاب من سوريا وسحب ميليشيات الحرس الثوري من هناك.

٢- وضع حد لدعم جماعة الحوثي في اليمن.

٣- نزع سلاح الميليشيات الشيعية في العراق.

٤- وضع حد لتصرفات طهران تجاه إسرائيل والدول الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط.

٥- وضع حد لدعم فيلق القدس في الحرس الثوري.

٦-وضع حد لدعم «المجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط».

٧- وضع حد لدعم حركة طالبان والقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى.

٨- وضع حد لدعم «المجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط».

٩- وضع حد لانتشار الصواريخ الباليستية والصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية.

١٠- الكشف عن كل التفاصيل المرتبطة ببرنامج طهران النووي، والسماح لوكالة الطاقة الذرية بالتفتيش المستمر.

١١- منح الوكالة الدولية نفاذًا شاملًا لكل المحطات النووية الإيرانية.

١٢-إطلاق سراح الأمريكيين وكل المواطنين الحاملين لجنسيات من دول حليفة لواشنطن المحتجزين في إيران.

شروط بومبيو الاثنا عشر رفضتها إيران، وأسقطها ترامب بإعلانه الاستعداد لمفاوضات غير مشروطة، بينما اشترطت ايران رفع العقوبات كشرط للتفاوض، فيما يعول ترامب على العقوبات ذاتها كأداة لتسهيل المفاوضات مع ملالي طهران.

وجود وسطاء مؤهلين للتدخل عند الضرورة، أحد شروط صناعة الأزمات كما قلنا في مقال سابق، ايران سعت لتأمين وسطاء من الإقليم (سلطنة عمان والعراق وربما الكويت) وواشنطن سعت خلال جولة ترامب الأخيرة، لإضافة وسيط ياباني، وآخر سويسري.

الأزمة حضرت بكل ثقلها، والوسطاء جاهزون بالرحلات المكوكية التي تستهلك الزمن اللازم ريثما تفعل العقوبات فعلها في الداخل الايراني، لكن أكثر المتفائلين في واشنطن وبينهم المخضرم دينيس روس لا يذهبون الى أبعد من تمديد عمر الاتفاق النووي السابق لينتهي في ٢٠٤٥ بدلاً من ٢٠٣٠. فالرئيس الأمريكي ترامب قد يقبل- طبقاً لمراكز أبحاث أمريكية ( ثينك تانك) بأي اتفاق مغاير لما أنجزه سلفه أوباما!!.

الأزمة بهذه القراءة لأبعادها، قد تذهب الى شراء المزيد من الوقت طبقاً لما ذكرناه في المقال السابق. فعناصر بناء الحل ما تزال غائبة، وأهمها -في تقديري المتواضع- هو بناء معادل استراتيجي عربي مكافىء لمعادلات القوة لدى القوى الإقليمية الكبرى.

لا بأس على أية حال، من تبني منهج شراء الوقت، بشرط استثمار الوقت المشترى لصالح تعظيم مكونات القوة الذاتية العربية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store