Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

في خطورة اليأس والإحباط بين العرب

A A
مرةً أخرى، يشعرُ المرء بالقلق بعد زيارة سريعة لأكثر من بلدٍ عربي.

قوة الحياة كبيرةٌ دون شك. وستراها من الخارج مستمرةً عادية إذا قَصرتَ الرؤية على الظواهر (البرّانية). لكن شيئاً من التحليل لما يكمنُ وراء تلك الظواهر، وحواراً صريحاً مع الناس، من مُختلف الشرائح، سيُفرزان قراءةً مختلفة. وسيفاجئك حجم المشاعر المتراكمة من اليأس والإحباط، والخوف من المستقبل.

قد لا توجدُ في الدنيا مهمةٌ أصعب من مهمة الإصلاح. خاصةً في هذا الوطن العربي الكبير.

رغم هذا، لا مفرّ من إبقاء جذوة الأمل مشتعلةً في قلوب الناس لإكمال أي عمليةٍ إصلاحية في هذا العالم. فإطفاء تلك الجذوة يُعتبر مَفرقاً في غاية الحساسية يمكن أن يؤدي لإعاقة وإيقاف العملية الإصلاحية. وقد ينتج عنه ماهو أسوأ من ذلك.

إن إخماد جذوة الأمل المتقدة في الأرواح هو أخطرُ ما يمكن أن يواجه أي عملية إصلاح في أي بلدٍ من العالم. لا يهمّ في هذا المقام أن يحدث هذا عن قصدٍ أو عن غير قصد. لا ينفعُ في شيء إلقاءُ اللوم على جهةٍ هنا أو مؤسسةٍ هناك. يكفي فقط أن تموت تلك الشعلة التي تبثُّ الروح في قلوب الناس، وتُطلق الحيوية الكامنة في المجتمع، لتموت معها فرصٌ للتغيير والتطوير كان لا ينبغي أن تفوت، ولتُغلق معها نوافذ وأبواب كانت مفتوحةً لمستقبلٍ واعد.

انظر ماذا يحصل في أي بقعةٍ على الأرض عندما تنطفئ جذوة الأمل بالإصلاح، ويتسربُ اليأس والإحباط إلى الأفراد والجماعات والشعوب.

تنتشرُ السلبية القاتلة كالسرطان. تعمُّ الفردية الكريهة، وتطغى (الأنا) البشعة، ويعودُ الإنسان للانتماء الطفولي إلى قوقعته الصغيرة الشخصية، بعد أن يضمُر انتماؤه الواعي إلى وطنه الكبير. وينتكسُ من هويته الجامعة ليعود هارباً إلى هوياته الأخرى الصغيرة، باحثاً فيها عن ملجأ شعوري وعملي يحسبُهُ الضامنَ للحاضر والمستقبل.

يصبح كل شيء في حياة المجتمعات صغيراً وتافهاً وهامشياً وسطحياً. إذ يفقد المجتمع تلك البوصلة المشتركة التي تهديه إلى مافيه خيره وعافيته واستقراره ونمائه. ويضيع فيه أي معنىً للأمور الكبيرة وللأفكار الكبيرة وللمشاريع الكبيرة وللآمال الكبيرة. لأنها تصبح بلا مصداقية في غياب الشعور بإمكانية التغيير، وفي غياب الأمل.

لكن أخطر ما ينتج عادةً عن انطفاء جذوة الأمل ليس فقط إعاقة عمليات الإصلاح والتطوير ووقوفها. وإنما هو تشكيل واقعٍ مجتمعي، نفسيٍ وعملي، يُشكّلُ أرضيةً خصبة لكل من يريد زعزعة أمن واستقرار المجتمعات والدول. وإذ تكون الشعوبُ عادةً خط الدفاع الأول عن الأمن والاستقرار مع بقاء جذوة الأمل، فإن إخمادَها يكون المدخل إلى تصدّع ذلك الجدار، وأحياناً من جذوره وأساساته العميقة.

الأسوأ من ذلك، ما يجري التعبير عنه أحياناً من مشاعر العجز!

فالعجز شعورٌ هائلٌ ومدمِّر.. وهو حين لا يُعالج بالطريقة المناسبة، فإن نهايته تكون دوماً إلى الانتحار. والانتحارُ، ذاك، قد يكون ذاتياً مقصوراً على النفس، لكنه قد يُصبح أيضاً من ذلك النوع الانفجاري، على قاعدة (عليّ وعلى أعدائي) المعروفة. وتلك قاعدةٌ تُعبِّرُ عن الشوق الكامن في أعماق الناس للتغيير، يتداخل معه شعورٍ قاسٍ بالافتقار لأي طريقةٍ من طرق التغيير، اللهم سوى التغيير عبر (الإلغاء) الكُلّي لهذا الوجود الذي يصعب فيه التغيير.. أي عندما يقتنع العاجز أن خياره الوحيد لا يكمن في إلغاء وجودِه هو، وإنما في إلغاء الواقع الذي يُشعِرهُ بالعجز، بكل ما فيه وكلّ مَن فيه.. وفي الحالتين، يعاني المجتمع الذي توجد فيه هذه الظواهر من آثارها بشكلٍ مؤلم، وعلى جميع المستويات.

المفارقةُ هنا أن التعبير عن موت جذوة الأمل بالإصلاح لا يحمل معه دائماً تلك الألفاظ والممارسات التي تدعو للتمرد أو الثورة أو المواجهة كما يعتقد البعض. وإنما يحمل مفردات اليأس والإحباط التي تدعو في النهاية إلى الاستقالة والانسحاب.

وكما ذكَرنا سابقاً، المفارقةُ الأكبر أن يعتقد البعض أن استقالة الناس وانسحابهم يستدعي الراحة، ويدعو للطمأنينة على مستقبل البلاد والعباد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store