Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

تفلح السياسة كلما باتت الحرب ممكنة

A A
نظرياً، وبحسب طروحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبدو الأزمة مع إيران شديدة البساطة، فكل المطلوب من طهران بحسب ترامب، هو فقط مطلبان لا ثالث لهما:

الأول: هو التخلي نهائياً عن برنامج نووي يمكن أن يتيح لها في النهاية إمكانية امتلاك سلاح نووي.

الثاني: هو الامتناع عن تقديم أي دعم لجماعات إرهابية. وتقول إيران، حتى قبل أن يختصر ترامب شروط وزير خارجيته الاثنى عشر في هذين المطلبين، إنها لا تتطلع الى امتلاك رادع نووي، وتزعم أنها لا تدعم جماعات إرهابية.

يعني ببساطة، ترامب يطرح مطلبين، وإيران تقول إنها ملتزمة بهما بالفعل، وإن سياستها لم تحدْ عنهما في أي وقت..!

أين المشكلة إذن؟! ولماذا تلك الأزمة التي قد لا يمكن السيطرة على تداعياتها إذا ما اندلعت الحرب؟!..

تكمن المشكلة في اعتقادي، في أن تنفيذ المطلبين اللذين أعلنهما ترامب، بشكل كامل، وبحسن نية كاملة، سوف يعني بالنسبة لإيران نهاية عصر الملالي. فما يريد ترامب تفكيكه ليس المشروع النووي الايراني، وإنما العمامة التي يختفي تحتها كل من المشروع النووي، ومشروع التوسع تحت عناوين طائفية أو جهادية.

تفكيك العمامة، يعني تفكيك الأطر الفلسفية للمشروع الإيراني، الذي حاول الملالي إخفاءه تحت عناوين مضللة على مدى سنوات، منذ أطاحوا بالشاه محمد رضا بهلوي قبل أكثر من أربعين عاماً.

قبل مرور أقل من عام على الإطاحة بالشاههنشاه، كان صادق قطب زادة وزير الخارجية في حكومة مهدي بازرجان، أول حكومة بعد الثورة، يقوم بزيارة للبحرين، أعلن خلالها بكل صراحة ودون أدنى مواربة عن اعتزام بلاده «تصدير الثورة» الى الجوار!!، لم يكن الجوار في حاجة الى الثورة، لكن الخوميني كان يعرف أن نظامه لن يعيش بدون تصدير أفكاره، وفي القلب منها نظرية «ولاية الفقيه» التي طورها الخوميني نفسه وأعاد طرحها طوال فترة وجوده في منفاه الاختياري في كربلاء بالعراق.

بسبب صراحة قطب زادة، وفضحه لجوهر المشروع الإيراني، تمت إقالته، ليس لأن ما قاله مجافٍ للحقيقة، ولكن لأنه فضحها في طور مبكّر قبل أن يستقر نظام الحكم الجديد في طهران.

واصل الملالي نهجهم في محاولة تصدير الثورة، وعززت سنوات الحرب مع العراق هذا النهج، ثم كان السعي لبناء قوة ردع إيرانية تتمدد ولاية الفقيه تحت مظلتها، في العراق ولبنان وحتى في سوريا واليمن.

يقول الرئيس الأمريكي ترامب إنه غير معني بتأمين الملاحة في مضيق هرمز، وأن بلاده لا تحتاج الى نفط الخليج، وإن على الدول التي تحتاج الى نفط الخليج ومعظمها في شرق وجنوب آسيا، أن تضطلع بمسؤوليتها عن تأمين مسارات ناقلات النفط الذاهبة الى موانئها محملة بنفط الخليج، وذلك بأحد طريقين، فإما أن تتولى ذلك بذاتها، وإما أن تتحمل هي الأعباء المالية لتلك المهمة اذا ما قامت بها الولايات المتحدة.

كلام الرئيس الأمريكي لا يخلو من منطق، اذا افترضنا أن الباعث الوحيد على الوجود الامريكي في المنطقة هو تأمين قوافل النفط، الذي لم تعد الولايات المتحدة بحاجة اليه، لكنه يبدو منطقاً منقوصاً، اذا ما لاحظنا أن منع ايران من امتلاك سلاح نووي هو هدف استراتيجي للولايات المتحدة، لن تتخلى عنه-بحسب ترامب نفسه- باعتباره مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة، عبر عنها ترامب بنفسه حين اختزل شروط بومبيو الاثنى عشر في مطلبين اثنين، أحدهما، منع ايران من امتلاك (سلاح) نووي، والآخر، أن تمتنع طهران عن دعم الاٍرهاب .. هذا المطلب الثاني (الامتناع عن دعم الإرهاب) يعني من وجهة نظر طهران الكف عن التنفس، فالملالي يعتقدون أن تصدير الثورة (الذي يعني عند ترامب دعم الإرهاب) هو الدرقة الحامية لنظام الملالي ذاته، ولهذا تبدي طهران مقاومة عنيفة لهذا المطلب أيضاً.

يقول الإيرانيون إنهم لايريدون الحرب، ويقول الرئيس الأمريكي ترامب أنه هو أيضاً لا يريد الحرب، لكن إمكانية تجنب وقوع الحرب رغم ذلك لا تبدو كبيرة، خاصة بعدما تمكن الرئيس الأمريكي من خفض سقف الحرب المقبلة، بتأكيده على أنها: ١- (لن تستغرق وقتاً طويلاً) أي أنها قد تقتصر على ضربات محدودة لأهداف محددة داخل ايران ذاتها أو في مناطق موالية لها في سوريا ولبنان والعراق واليمن.

٢- (لن تشتمل على عمليات برية) بمعنى أنها سوف تقتصر على ضربات جوية وبحرية وسيبرانية.

توصيف ترامب لطبيعة وهدف العمليات العسكرية ضد ايران، يشير الى أن خيار الحرب بات ممكناً، لكنه بالطبع لا يعني ان الحرب ذاتها ان اندلعت يمكن أن تظل محدودة.

ألم أقل لكم في السطور الأولى من هذا المقال، أن الأمر يبدو بسيطاً ومباشراً، وليس عصياً على الفهم، لكنه في الحقيقة ليس كذلك على الإطلاق.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store