Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

المعنى الأسمى.. يبحث عن الأديب الأعمى

الحبر الأصفر

A A
للشِّعر غِوَايته، سَواءٌ كَان مِن الفَصيح، أَم مِن المَحكِي، والمنطِقَة العَربيَّة عَامِرَة بالشِّعر الفَصيح، كَمَا أَنَّه يَتدلَّى مِنهَا أَنوَاعٌ كَثيرة؛ مِن الشِّعر المَحكي (الشَّعبِي)، مِثل الكَسرَات فِي يَنبُع، والحَلمنتِيشي فِي مِصر، والزَّجل فِي لِبنَان... إلخ!

وكُلّ هَذه الأَنوَاع مِن الشِّعر، لَديهَا بَلاغتهَا، وحُسن النَّظْم، الذي يَنتَقل مِن المَعَانِي إلَى المَبَانِي، كَمَا يَمتَاز كَثيرٌ مِن الشُّعرَاء الشَّعبيين، بسُرعة البَديهَة، وحُسن الرَّد، وحَتَّى نُدلِّل عَلَى هَذا، إليكُم هَذه القصّة؛ التي وَردَت فِي بَعض المَرَاجِع اللِّبنَانيَّة، حَيثُ يُقَال والعُهدَة عَلَى الرَّاوي: إنَّ عَميد الأَدَب العَربي «طه حسين»، لَم يَكُن يُصدِّق -أَبدًا- أَنَّ شُعرَاء الزَّجل اللِّبنَانيين يَرتَجلون مَا يَقُولُون.. وفِي إحدَى زِيَارَاته لبَيروت، دَعَاه صَديق لَه لحضُور حَفلَة زَجَل؛ لفرقة «شحرور الوادي»، ولَمَّا دَخَل القَاعَة، وكَانَت الحَفلَة حَامية الوَطيس، رَحَّب أَحَد الحَاضرين مِن الجمهُور؛ بعَميد الأَدَب العَربي الكَفيف، قَائِلاً لَه: (أَهلاً وسَهلاً بـ»طه حسين»)..!

هُنَا ارتجَل «الشحرور» عَلَى الفَور:

أَهلاً وسَهلاً بـ«طه حسين»

رَبِّي أَعطَاني عَينين

العينُ الوَحْدَة بتكفِيني

خُد لَك عين وخلّي عين

كَان «طه حسين» يَبتَسم لتِلقَائيَّة هَذا الرَّد وظَرَافتهَ، بَينَمَا كَان الحضُور هَائِجًا ومَائِجًا، وإذَا بالشَّاعر «علي الحاج» يَرتَجل:

أَهلاً وسَهلاً بـ»طه حسين»

بيلزَم لَك عينين اتنين

تكرّم شحرور الوادي

منّو عين ومنّي عين

هُنَا كَبرت البَسمَة عَلى شَفتي «طه حسين»، بَينَمَا أَصوَات الجمهُور تَتَعَالَى، وتَكَاد تَهدُّ القَاعَة، وإذَا بـ»أنيس روحانا» يُفَاجئ الجَميع بارتجَاله، قَائلاً:

لَا تَقبل يَا «طه حسين»

مِن كُلِّ وَاحِد تَاخذ عين

بقدّم لَك جُوز عيوني

هديّة لَا قَرضة ولَا دين

ضَحك «طه حسين»، وضَجَّت القَاعَة أَكثَر، وإنَّمَا بخَوف.. إذْ مَاذَا بَقي للشَّاعِر الرَّابع ليَقوله؟، لَكن «طانيوس عبده»، الشَّاعِر الرَّابِع فِي جوقة الشحرور، فَاجَأ «طه حسين» والجمهُور بقَوله:

مَا بيلزَملو «طه حسين»

عين ولَا أَكثَر مِن عين

الله اختَصّه بعين العَقل

بيقشَع فِيهَا عالميلين

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: أَتمنَّى أَنْ تَكون هَذه القَفشَات الأَدبيَّة؛ قَد نَالَت الرِّضَا، كَمَا أَتمنَّى أَنْ تَكون المُفرَدَات؛ وَاضِحَة بالنّسبَةِ لَكُم، وخَاصَّةً آخر بَيت فِي هَذه المَقطُوعَة الشِّعريَّة، الذي يَذكر فِيهِ الشَّاعِر «الميلين»، عِلماً بأنَّ المَقصُود بالميل؛ فِي اللُّغَة اللِّبنَانيَّة المَحكيَّة هي «الجِهَة»..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store