Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

عن إعجاب الرئيس ترامب بعباس!

إضاءة

A A
نرجو أن يكون إعجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس الفلسطيني «جداً» نابعاً من مواقف أبي مازن الأخيرة وتمسكه بحل الدولتين وبالقدس الشريف عاصمة لفلسطين، وليس لمواقف أخرى! وتزداد أهمية ذلك إذا أضفنا أن ناقل الإعجاب جداً هو صهر الرئيس ترامب « كوشنير» الذي ما برح يغضب الشعب الفلسطيني بل العربي كله، تارة بتصريحاته وأخرى بمواقفه المصادمة لمبادرة السلام العربية، بل واعتبارها «تاريخاً وانتهى»!.

لقد حرص كوشنير على أن يوضح أن الرئيس ترامب «يحب أبو مازن جداً على المستوى الشخصي» وأنه « وفي الوقت المناسب، عندما يكون لديهم استعداد للحوار، سيكتشفون أن أمامهم فرصة»!

لن نتوقف كثيراً عند علاقة الحب على المستوى الشخصي، لكن وبالتأكيد، ليس لأن الرئيس الفلسطيني «ذو دم خفيف» أو «صاحب نكتة: مثلاً، وليس لأنه «كريم جداً» أو «جيبه مخروم»، مثلاً، ثم إن الرئيس ترامب لم يسافر مع الرئيس الفلسطيني سفرة طويلة أو قصيرة حتى نقول إن الإعجاب الكبير بخفة الظل أو الكرم تولد أثناء السفر!

على أن الدهشة من تصريح كوشنير بشأن الإعجاب الترامبي الزائد بأبي مازن لا تكمن فقط في أنها تأتي بعد سويعات من اتهام الأخير للأول بأنه «كذاب» ولا لأنها جاءت بعد تأكيد أبو مازن رداً على تصريحات لكوشنير جاء فيها: «بدك حوار؟ نعم. هذا موقفنا. أولاً تعترف برؤية الدولتين وأن القدس الشرقية محتلة والشرعية الدولية هي الأرضية لأي حوار».

مكمن الدهشة في مسألة الإعجاب برئيس فلسطين يأتي كونها جاءت في أسبوع حافل بالمكرمات الأمريكية للدولة العبرية! من ذلك مثلاً أن يمسك السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فرديمان بمطرقة حديدية ويتولى بنفسه هدم الجدار الأخير أمام نفق جديد يمتد الى القدس الشرقية!. لقد تخلى فريدمان عن أصول الدبلوماسية وتحول الى ما يشبه مستوطناً اسرائيلياً ليشارك المستوطين في أعمال الحفر!، وزاد من رداءة المشهد أن يمسك مبعوث الرئيس الأمريكي الى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات -كما نشرت الشرق الأوسط- بمطرقة أخرى تزن 5 كيلو جرامات ليهوي بها على الجدار الأخير نحو القدس، وكأن السفير إنما خصص للاستيطان، وكأن المبعوث بعث لنسف مشروع الولايات المتحدة للسلام !.

كما جاء الإعجاب المفرط بعد أيام قليلة من حضور وفد أمريكي رسمي مع ممثل عن الخارجية الإسرائيلية لتدشين حملة تبرع عالمية كبرى لبناء الهيكل المزعوم في باحة المسجد الأقصى المبارك!.

لقد أدانت منظمات إسرائيلية -وليست عربية بالطبع- هذه التحركات، وربطت بين مطرقتي فرديمان وغرينبلات وبين حملة التبرعات لبناء الهيكل، فالمهمة واحدة تتلخص في تهويد القدس تماماً ومحو طبيعتها العربية ذلك أن النفق يتيح للمستوطنين اليهود الوصول الى باحات الحرم القدسي الشريف، بطريق خفي تحت الأرض، ومشروع الهيكل يكمل النفق، لأنه سيستخدم كممر دخول الى باحات الأقصى من دون احتكاك خارجي بالفلسطينيين!.

لقد جاء الإعجاب كذلك، بعد شهور قليلة من مساعي واشنطن لنزع صفة اللاجئين عن 800 ألف فلسطيني من خلال إغلاق وكالة «غوث» وتشغيل الفلسطينيين «أونروا» والاعتراف بنحو 40 ألف لاجئ فقط من جملة 6 ملايين مسجلين لدى الاونروا! - «الشرق الأوسط 21 يونيو 2019»!

في تلك النقطة تحديداً أنقل هنا حرفياً ما نقلته «الشرق الأوسط على لسان ممثل خبراء التاريخ والأديان في إسرائيل نفسها «داني زايدمان» وبالمناسبة قارنوا بين تصريحاته المنصفة وتصريحات يوسف زيدان.. يقول داني: «إن تضامن طاقم ترامب مع اليمين الأيدلوجي الانجيلي في إسرائيل خطير» ويقول «نير حسون» إن الإدارة الأمريكية باتت منقطعة بشكل مفاجئ عن الواقع مما يؤكد أنها ليست وسيطاً عادلاً، بل إن مواقفها تتطابق مع مواقف اليمين المتطرف والأسوأ من ذلك، أطهر خريطة خلف المحتفلين تم فيها شطب سلوان التي يعيش فيها 20 ألف فلسطيني وأقل من 500 يهودي!.

سأنتقل معكم الى النقطة الثانية التي تلت الإعجاب الكبير، والخاصة بـ»دعوة الفلسطينيين للحوار واغتنام الفرصة في الوقت المناسب»، ولعلكم تسألون معي عن هذا الوقت! بعد ضياع القدس كلها؟ بعد إقامة الهيكل، وهدم الأقصى؟ بعد ضياع ما بقي من الأرض؟!

من حسن الطالع بل من لطف الله بفلسطين وببركة الأقصى المبارك، أنه في نفس أسبوع الحفر والتبرع للهيكل، وفيما كان فرديمان وغرينبلات يهويان بالمطرقة، كان الرئيس التشيلي سيستيان بينيرا يمضي بزوجته بصحبة وزير القدس الفلسطيني فادي الهدمي لزيارة المسجد الأقصى والتأكيد على حل الدولتين! في نفس الأسبوع أيضاً كان الاتحاد الاوربي يؤكد على لسان سوزانا تيرستال أن حل الدولتين هو أفضل حل متفق عليه عالمياً وإنه لا بديل عنه!

هكذا وفيما كان الحفر لدفن قضية القدس والأقصى مستمراً كان تقرير رسمي يصدر في اليوم العالمي للاجئين الذي يصادف 20 يونيو من كل عام يؤكد أن 41 % من سكان فلسطين.. لاجئون.. وبطبيعة الحال فإن هؤلاء مهما طال الأمد ومهما حصل بعضهم على جنسيات أخرى سيواصلون ويواصل أبناؤهم وأحفادهم ترديد العبارة المحببة: عائدون .. عائدون!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store