Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

اطلب العلم ولو من حفيد!

A A
لابدَّ من الاعتراف بعجز جيلنا من المتقدِّمين في العمر عن مواكبة عالم التقنية الذكيَّة وما بلغته من وسائل وحلول للعديد من متطلَّبات العصر، بينما نرى الأبناء والأحفاد يواكبون كلَّ مستجدٍّ فيها، ولديهم من الأفكار والتوقُّعات لعالم الغد ما لا نتصوَّره ببصر أو بصيرة!

بالأمس تمكَّنت من الجلوس مع حفيدي لبضع دقائق بعد أن استجاب لرجائي، وأمسك عن تحريك أصابعه بخفَّة ورشاقة على شاشة هاتفه النقَّالِ للدردشة معي مُجيبًا عمَّا يجول في خاطره عن مستقبل العالم بعدد ثلاثين سنة من اليوم.. وبدون تردُّدٍ، وبلهجة الخبير الواثق، ردَّ بأنَّ علماء اليوم في مجال تقنية المعلومات، لا شكَّ أنَّهم عاكفون على إيجاد حلول لما قد يتأتَّى من الانفجار السكَّاني، وما سوف يصاحبه من نقص في متطلَّبات الحياة، وأخصُّها تناقص مصادر الماء والغذاء للبقاء على كوكبنا الأرضيِّ، وأضاف: «إنه لا يستبعد بطريقة ما تمكُّنهم وبكلفة معقولة من سحب المياه الحلوة من قاع البحار والمحيطات، وبتطوير مصادر الغذاء لتنتج المحاصيل الزراعيَّة والحيوانيَّة عشرات أضعاف ما هي عليه اليوم.. وقد يأتي يوم نستبدل فيه وجبات الطعام من المطبخ بوجبات أقراص تعدُّ في المختبرات.. وليس مستبعداً أيضًا بناء مدن في قاع البحار والمحيطات، وثمَّ في وقت لاحقٍ مجمَّعات سكنيَّة في الكواكب التي تزيِّن سماء كوكبنا الأرضيَّ.. أمَّا عن المواصلات كوسائل الاتِّصالات الآن فلا يُستبعد أن يتمَّ نقل المسافرين كلٍّا حسب وجهته واختياره بصاروخ ينطلق من حيث هو إلى وجهته بوقت لا يستغرق سوى دقائق!، تابع الحفيد كأستاذ يلقي محاضرته وهو يتفرَّس وجه من يستمع قوله بجدٍ واهتمام، وبنظرة فيها من المفاكهة أكثر من الاستفسار أو توقُّع جوابٍ: على افتراض تيسّرت سبل المواصلات كما يتوقَّعها من مطالعاته وأخبار تجارب السفر الصاروخي، هل عند ذلك يتطلَّب الأمر جوازات سفر وإذن خروج وإقامة! فجأة، رنَّ هاتفه معلنًا عن وصول رسالة على شاشته، وأمسك عن متابعة الكلام.

كانت فرصة لي لأستوعب ما قال، وعلى ما يبدو ليس ضربًا من خيالٍ.. فمعظم ما أصبح واقعًا لا غنًّى عنه في حياتنا البسيطة اليوميَّة كان لعقود خلت ضربًا من الخيال العلمي الذي يستبعده عقل الإنسان.. وبينما «محاضري» منهمكٌ في الردِّ على ما تسلَّمه على شاشة جوَّاله، رحت أفكَّرُ ليس فقط في ما تحتوي رسالته من معلومات قد تكون جزءًا من محاضرة قادمة له، بل في واقع حياتنا، ومن الذي سيتحكَّم في مصير العالم ومستقبله! وبما أنَّ مقدّمات الأمور دليل مسارها وبلوغ الأهداف منها، فهل للعرب أمَّة ووجوداً ما يُبشِّر أو ينذر بمستقبلٍ ليس من صنعهم، أمَّا كما هو ظاهرٌ وجليٌّ، فالذي يتحكَّم اليوم في مصائر الشعوب وتصريف أمورها الماليَّة والاقتصاديَّةً والثقافيَّة من خلف ستار ليسهل عليه نهب ثروات العالم، هو على الأغلب الأعمَّ من ستكون زمام الأمور آنذاك بيديه، ووفق خطَّة بروتوكولات حكماء صهيون، هيمنت الصهيونيَّة العالميَّة بعد تمركزها في فلسطين؛ تلاقي القارَّات الثلاث، بعد سيطرتها على بنوك نيويورك، عاصمة المال العالميَّة.. وسيطرتها الحاليَّة على التقنية الرقميَّة، ليست إلَّا امتدادًا وتأكيدًا لضمان المستقبل الذي لن يكون على أضعف الاحتمالات لصالحنا أمَّة ووجودًا.

فهل سيتسنَّى لعلماء عالمنا العربي المختصِّين بعلوم التقنية مشاركة المراكز العالميَّة في دراساتهم وأبحاثهم؟ ومن يتفكَّر في عاقبة الأمور، أراه يتمعَّن قوله تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store