بلجرشي.. العمق التاريخي المهدور

مدينة بلجرشي تعد أكبر المحافظات الست بمنطقة الباحة وأكثفها سكاناً وأكثرها عمقاً تاريخياً، حيث ذكرت بعض المصادر أنها نشأت في عهود قديمة جداً تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، بل ذكر البعض أنها تعود إلى عصر الكنعانيين والعماليق كونهم أول من سكن هذا المكان، وذكر البعض أنها متصلة بجرش الرومانية (جيراسا) التي تعددت الأماكن التي نسبت إليها مثل مدينة جرش في الأردن ومدينة جرش التاريخية التي تقع آثاها جنوب المملكة ولاشك بأن هنالك ارتباطاً بين الأماكن المذكورة مما يتطلب بحث ذلك تاريخياً وحضارياً.

ولقد سعدت كثيراً قبل أيام بالتجوال في مسارب هذه المدينة الساحرة الحالمة وخاصة في الجزء القديم جداً منها ورأيت الكثير من المعالم الحضارية التي تؤكد عمقها التأريخي، حيث يتمثل ذلك في المباني المتقادمة جداً، والتي تحيط بجبل صغير كما هو الحال في قرية ذي عين التأريخية، وفي تشابه متقارب بينهما حيث تميزت تلك البيوت القديمة التي بني أغلبها من الحجر والبعض الآخر من اللبن بتميز فني ومعماري رائع، كما تميز تخطيط مساربها بالترابط الفني بين مختلف منازل المدينة بطرق رائعة ومتقنة، ولعل أبرز تلك المعالم التي تتوسط منازل المدينة القديمة مسجد الصفا التأريخي الذي ذكرت بعض المصادر أنه يعود إلى بداية العصر الأموي عام 46 هجري حسب ما وجد عليه من النقوش الأثرية. ومن أبرز المعالم الهامة ببلجرشي أيضاً جبل حزنة الشاهق البديع في تكوينه الصخري والذي أنشد في مياهه يعلى بن مسلم الأزدي بعد أن حبسه الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان

فبت لدى البيت الحرام أخيله

ومطواي من شوق له أرقان

فياليت لي من ماء حزنة شربة

مبردة باتت على الطهيان

ويتميز موقع مدينة بلجرشي بسهولة أرضها وإطلالتها على تهامة من خلال جبل حزنة وما حوله كما تتميز بجمال طبيعتها الساحرة بعد أن اتسعت مساحتها وضمت الكثير من الغابات والينابيع التي لا تنبض.

ولا شك بأن المحافظة قد قفزت الكثير من القفزات الحضارية المتباعدة في العهد السعودي الميمون وبتوجيه من قادته رحم الله الميت منهم وحفظ الأحياء، ولاشك بأنها لازالت تنتظر الكثير والكثير من الاهتمام وخاصة من قبل الهيئة العامة للسياحة التي أراها حتماً ستجد الكثير من ضالتها الحضارية والسياحية في هذه المدينة، ولو كثف الاهتمام بها بمساندة أمانة منطقة الباحة وبلدية بلجرشي فسوف تصبح أحد أهم المناطق السياحية بالمملكة وسوف تكون محافظات منطقة الباحة برمتها أهم وأبرز نواة للسياحة صيفاً وشتاءً.

لذا أتوجه لها بهذا النداء من خلال هذا المنبر . والله من وراء القصد