Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

«موت الغرب».. كل عام وأمتنا بخير مهما فعلت بها الأيام!

إضاءة

A A
كنت أتأمل في أفواج الحجيج الآتين من كل فج عميق وهم يودِّعون مكة المكرمة باكين من فرط الفرح الممزوج بالأمل، عندما وصلتني هدية من صهري العزيز هي كتاب «موت الغرب» للمؤلف الأمريكي باتريك جيه بوكانن.

والحق أنني فور الاطلاع على مقدمة الكتاب، عُدتُ من جديد لمشاهد الحجيج وأنا أكثر إيمانا بقدرة الأمة الإسلامية على مغالبة الانكسار والعودة من جديد.

كان الكاتب الأمريكي يتناول في كتابه «موت الغرب» الصادر عن مؤسسة العبيكان العريقة أثر شيخوخة السكان وموتهم..

ويمضي يقول: إننا نفقد البلد الذي نشأنا فيه، مرة تلو الأخرى.. لقد سمعنا هذا الرثاء في الحملة الانتخابية الطويلة عام ٢٠٠٠ من الرجال والنساء عبر ربوع أمريكا، ولكن ما الذي يعنونه بهذا القول؟!

ألم تكن هذه الأوقات -كما ذكَّرنا السيد كلينتون باستمرار- هي أفضل الأوقات في أمريكا.. ففيها تنخفض نسبة البطالة والتضخم في غضون ٣٠ عاماً وفيها تنخفض معدلات الجريمة، وفيها ترتفع الدخول محلقة؟

ألسنا -كما تقول السيدة مادلين أولبرايت ولم تتوقف عن التبجح- الأمة التي لا يُستغنى عنها؟، ألم يكن هذا زماننا كما ينفخ السيد بوش في أبواقه؟، نحن لسنا البلاد نفسها التي كنَّاها في ١٩٧٠ بل في ١٩٨٠.. لسنا الشعب نفسه منذ انتخابات ٢٠٠٠.

وعلى شاطئ المحيط الهادئ قال دزرائيلي عن إنجلترا في العصر الفيكتوري إنها كانت أمتين، وكتب الروائي جون دوس باسوس بعد محاكمة « ساكو وفانزيتي»: حسناً نحن أمتان!، وعندما كنت أنصت للخطاب الافتتاحي للرئيس بوش علق في ذهني سطر منه فقد بدا أن الرئيس قد سمع ما سمعت ووجد ما وجدت فقال: وأحياناً تنساب خلافاتنا عميقاً الى الدرجة التي يبدو فيها أننا نتقاسم قارة ولكنها ليست أبداً بلداً!

يضيف المفكر الأمريكي ناعياً حال بلاده: اليوم ليس هناك جنس غالب في هاواي أو في هيوستون أو في نيويورك. ولن يكون هناك جنس هو الأغلبية في كاليفورنيا أكبر ولاياتنا ومن ثم لن يكون هناك جنس غالب في الولايات المتحدة!

وبالجملة فإن أمريكا ليست محصنة ضد القوى الانفصالية، والاحساس بأنها أيضا تشد باتجاه التفكك على طول سلالات الجنس والعرق العنصري هو إحساس ينتشر..

وزيادة على ما تقدم فإن أمريكا قد عانت ثورة ثقافية، وهناك الآن نخبة جديدة تحتل المناصب العليا الحاكمة.. وتقوم هذه النخبة من خلال إمساكها بالمؤسسات التي تشكل وتبث الأفكار والآراء والمعتقدات والقيم.. التلفاز والفنون والترفيه والتربية والتعليم بخلق شعب جديد! فنحن لم نبق شعباً واحداً أو أمة واحدة تحت رعاية الله.. لا من ناحية السلالات الجنسية والعرقية فقط بل ومن الناحية الثقافية والأخلاقية أيضاً!

الغرب يموت! والدليل كما يقول المؤلف أن أممه توقفت عن التكاثر وتوقف سكانه عن النمو وبدأوا بالانكماش!

هناك ١٧ بلداً أوروبياً فيها جنازات دفن أكثر من احتفالات الولادة، وهناك أكفان أكثر من المهود!

نحن لم ننحدر من الأسلاف أنفسهم، ونحن لم نتكلم اللغة نفسها، ونحن لا ندين بالدين نفسه.. حتى ذِكْر اسم المسيح عيسى في حفل تنصيب الرئيس يثير الغضب والصيحات بين نوع حساس وآخر منفصل وثالث إقصائي .. نحن نبقى مرتبطين نعم بمبادئ الحكم نفسها لكن مبادئ الحكم المشتركة لا تكفي لبقاء الأمم.

أخيراً هل تعلم أن في هولندا ٥٠ في المائة من المواليد مسلمون وأنه خلال سنوات قليلة سيصبح نصف سكان هولندا مسلمين؟

وفي روسيا ٢٣ مليون مسلم و٤٠ في المائة من أفراد الجيش الروسي من المسلمين، بل إن ٢٥ في المائة من سكان بلجيكا مسلمون و٥٠ في المائة من المواليد مسلمون؟، أما في ألمانيا فكما تقول الحكومة: خرج الأمر عن السيطرة!، ستكون ألمانيا دولة مسلمة مع حلول ٢٠٥٠!.

كانت مشاهد الحجيج الذين استوعبتهم مكة بقلبها يغريني بمزيد من القراءة، وحينما سيطر عليَّ هاجس «غثاء السيل» نحيت «موت الغرب» مؤقتاً ومددت يدي لسِفْر «الشخصية الإسلامية» للدكتورة بنت الشاطئ فوجدتها تقول: إن الإنسان كان وسيظل العامل الأول في صراع البقاء وسباق التقدم، فالأمة لا تحمي وجودها ولا تحقق تقدمها الا بمقدار ما تملك من رصيد ذخيرتها البشرية «قيمة ونوعاً» وإن بدا في ظاهر الأمر أن صراع البقاء لا يعرف غير الأسلحة الحربية، وأن سباق التقدم محكوم بأسباب القوى المادية والتفوق التكنولوجي.. لا أغض من خطر هذا كله وقيمته، ولكني أعلم أن الانسان هو الذي يبدع الحضارة ويصمم الآلات، ويصنع الأجهزة..

ثم إنه بغير الإنسان تتعطل الأسلحة نووية وغير نووية، لأنه هو الذي يعطي السلاح قوته وفاعليته، وبغير الإنسان لا تعدو الأجهزة العصرية أن تكون آلات صماء!.

الآن بت أكثر يقيناً بسر انتشار بل نشر وتفشي حمى الإرهاب، وسر الإصرار على تصنيع إرهابيين جدد، وإنشاء مراكز إيواء وتفريخ إرهاب جديدة!

الآن أقول كل عام والأمة العربية والإسلامية بخير مهما فعلوا ويفعلون في فلسطين ومهما حاولوا ويحاولون في اليمن وفي ليبيا وفي العراق وفي سوريا وفي السودان وفي لبنان.. في كشمير وفي بورما وأراكان وفي كل مكان.. كل عام ومكة المكرمة مهوى أفئدة المسلمين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store