Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

عنصرية بيضاء في أمريكا.. من المسؤول؟

رؤية فكرية

A A
دأبت المؤسسات الغربية على الانتقاد وتوجيه الاتهامات إلى بعض الشعوب الأخرى، على خلفية عدم سيرها على النهج الديمقراطي، وعدم التزامها بحقوق الإنسان في تلك المجتمعات؛ إلا أن بعضًا من السلوكيات الغربية لا يمكن تصنيفها إلا في باب النفاق والتدليس المرفوض، وهذا يستدعي ما جرى خلال الأسابيع الماضية لنائبتين ديمقراطيتين في الكونغرس الأمريكي من أصول إفريقية؛ حيث خُوطبتا من قبل المؤسسة الحاكمة في الحزب الجمهوري بعبارات صُنّفت بأنها عنصرية، فقد كان الخطاب الموجه إليهما «إذا لم ترضوا بنهجنا فعليكم الرجوع إلى مواطنكم الأصلية»، وكان يمكن تبرير هذا الخطاب لو أن بواعثه كانت تصبّ في خانة عدم الولاء للبلد الذي هاجروا إليه، إلا أن الموضوع كان يبدو من منطلق الولاء للحركة الصهيونية، بحكم أن مجموعة من أعضاء الكونغرس تنتقد السياسات الإسرائيلية المتوحشة ضد العزّل من أبناء الشعب الفلسطيني.

وحتى يتضح الأمر في أذهاننا، علينا أن نفهم بأن الغرب قد اعتنق بعض أدبيات الحركة الصهيونية، وكثير من الغربيين لا يرون في الصهيونية نموذجًا سياسيًا مقبولاً.. وقد أفلحت اللوبيات الصهيونية لاحقًا في تمرير خطابها المتماهي بين الصهيونية وإسرائيل، وهذا ما يواجهه أيضًا حزب العمّال البريطاني، فمع الاختلاف معه في العديد من التوجهات؛ إلا أن الحزب وزعيمه جيرمي كوربن صرحوا في مناسبات عدة بأن النقد الموجه إلى إسرائيل لا يعني بالضرورة نقد الحركة الصهيونية، ولكن جزءًا من أعضاء الحزب والأحزاب الأخرى وقر في أذهانهم هذا التماهي بين الصهيونية والكيان الإسرائيلي.

على أننا نضيف أن كثيرًا من اليهود الملتزمين لا يصنّفون أنفسهم على أنهم صهاينة؛ بل يفضّلون تصنيفهم على أنهم أتباع الديانة اليهودية، وهذا أيضًا الموقف الإسلامي الصحيح، والذي يؤمن باحترام الديانات الأخرى، وعلى وجه أخص الديانتين المسيحية واليهودية.

والشيء الغريب أيضًا أن تخرج أصوات من الإدارة الأمريكية لتطلب من إسرائيل عدم السماح للنائبتين المسلمتين بالدخول إلى أراضيها، برغم أنهما تمثلان رسميًا بعض قواعد الحزب الديمقراطي.. وعلى مدى عقود طويلة كان الأمر يحصل بالعكس من هذا الموقف، حيث كانت إسرائيل هي التي تطلب من الدول الغربية وسواها عدم استقبال شخصيات سياسية مناوئة لنهجها..

ولو تتبعنا مسار الحركات التي توصف بأنها تنطلق من باعث عنصري، يبرز لنا على الفور اسم السياسي البريطاني المعروف إنوك باول Enoch Powell، الذي كان يشغل مقعدًا وزاريًا في حكومة المحافظين المعارضة [ 1964 –

1970م]؛ حيث ألقى خطابًا في عام 1968م في مدينة برمنجهام ذات الأغلبية من العناصر الغربية المهاجرة (الملوّنين)، واختار باول في خطابه عنوانًا مثيرًا؛ وهو «أنهار الدم المتدفقة»، في إشارة منه إلى عدم فتح باب الهجرة للراغبين في العيش في بريطانيا ضمن الضوابط الصحيحة. كان حزب المحافظين يضم عددًا من الشخصيات السياسية الواعية؛ مثل إيان مكلاود، واللورد كارنغتون إضافة إلى زعيم الحزب المعروف باعتداله إدوارد هيث؛ هؤلاء وسواهم طالبوا بإعفاء باول من منصبه، والتأكيد على سياسة الحزب التي لن يضيرها صوت مثل صوت باول.

إن الخطاب العنصري الذي جوبهت به النائبتان الديمقراطيتان مؤخرًا كان من الطبيعي أن يوقظ فتن العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وجد فيه المتطرفون البيض فرصة لنفث أحقاد دفينة، لتشهد الولايات المتحدة مؤخرًا حادثتين وصفتا بأنهما «عنصرية بيضاء»، لتحاول إدارة البيت الأبيض من ثمّ تدارك الأمر بخطابات استنكارية، أخشى القول بأنها تناقض ما قيل، ولن يكون لها أثر إيجابي ما لم يتبع ذلك عمل ملموس يؤكد صيانة حقوق الإنسان، وتعميق مفاهيم الديمقراطية على أصولها، وإسكات الأصوات العابثة بمثل هذه الخطابات المفخخة والخطيرة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store