Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

ما أشبه اليوم بالبارحة

A A
انقسم الأمريكيون فيما بينهم بشكلٍ حاد خلال النصف الثاني من الستينيات في القرن الماضي، بسبب حرب فيتنام. وخرجت المظاهرات في كل أنحاء البلاد مُندِّدة بالحرب، وانتشرت إلى مختلف أنحاء العالم. وتبادل الأمريكيون الاتهامات حول من منهم الوطني ومن هو الخائن، ومن هو اليساري المتطرف، ومَن هو اليميني العنصري. وتعرَّضت حينها بريطانيا لأزمة اقتصادية أشد حدّة مما قبلها، مع ارتفاع الاضطرابات السياسية والإضرابات العمالية. وكان لها وجود عسكري فيما كان يعرف حينها «بالإمارات المتصالحة» في الخليج، والتي كانت متعاقدة معها بمعاهدات اقتصادية وأمنية. وأعلن رئيس وزراء بريطانيا، ورئيس حزب العمال فيها، هارولد وليسون حالما تولَّى السلطة، الانسحاب من أي التزامات عسكرية شرق السويس، وهي الالتزامات البريطانية في الخليج، والتي كانت تكلفتها السنوية اثنى عشر مليون جنيه إسترليني، تقليصاً للعجز الاقتصادي. وعرض بعض حكام «الإمارات المتصالحة» على بريطانيا بأن يقوموا هم بتغطية تكاليف القوات البريطانية المرابطة في المنطقة. وغضب وزير الدفاع البريطاني، دنيس هيلي، من هذا العرض، مستنكراً أن تتحوَّل بريطانيا إلى «دولة مرتزقة».

في ذلك الوقت، سارع شاه إيران بحماس إلى القول: إن الانسحاب البريطاني سيؤدي إلى فراغ، وأعلن أن «أمن الخليج يجب ضمانه، ومَن يُمكنه أن يُحقِّق ذلك عدا إيران». وأُعجبت أمريكا بهذا القول، وقام الرئيس نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر بدعم هذا التوجه الجديد لشاه إيران في السعي للهيمنة على منطقة الخليج العربي، بالسلاح والعتاد والخبراء العسكريين، ووصفوا إيران بأنها «شرطي الخليج».

ما أشبه اليوم بالبارحة..

أمريكا تعيش اليوم دوَّامة خلافات سياسية، وانقسامات حادة، ورغبة مجمع عليها بإعادة النظر في دورها العالمي، بوجه العملاق الصيني المنطلق من القمقم الذي حرص الغرب على إبقائه فيه لسنين طويلة. وترغب التركيز على آسيا، حيث الصين ومحيطها، وتُقلِّل من تواجدها في الشرق الأوسط. بينما بريطانيا تعيش مرحلة فقدت فيها هويتها، فلا هي أوربية، ولا هي دولة قوية، وتسعى مثل أمريكا، إلى إعادة بناء داخلها، وهو أمر يتطلب التخلي عن بعض الامتيازات الدولية بما فيها القدرة على حماية سفنها التجارية في مضيق هرمز.

وفي إيران، حل الحرس الثوري بتصريحاته الاستفزازية محل شاه إيران، وأخذ يكشف بوقاحة عن رغبته الهيمنة على منطقة الخليج. بينما عبَّر الرئيس الأمريكي، متقلب المزاج والتغريدات، في تغريدة أواخر شهر يونيو الماضي عن الموقف الأمريكي من الأمن في مضيق هرمز، قائلاً: «تحصل الصين على 91% من بترولها عبر المضيق، واليابان على 62%، ومثلها دول عديدة أخرى. إذاً لماذا نحمي خطوط الملاحة لدولٍ أخرى (لسنين عديدة) مقابل عائد صفر. جميع هذه البلدان عليها أن تحمي سفنها في طريق كان دائما خطراً». ومنذ أن قام الحرس الثوري باعتقال تسعة بحارة أمريكيين (عام 2016 - عهد أوباما)، واحتجازهم 24 ساعة. ولم تقم أمريكا بأي إجراء يرد الاعتبار لها. اعتبر حكام طهران وحرسهم الثوري أن الأمريكيين أعطوهم الضوء الأخضر لتكون لهم الهيمنة على الخليج.

ومنذ شهر مايو هذا العام هاجم الحرس الثوري الإيراني ست ناقلات بترول وسفينة حربية بريطانية، وأسقطوا طائرة بدون طيار أمريكية، واستولوا على ناقلة نفط تحمل العلم البريطاني، بدون أي رادع. بل عندما علَّق وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على احتجاز الإيرانيين لناقلة النفط البريطانية قال: «مسؤولية البواخر التي تحمل العلم البريطاني هي من مسؤولية المملكة المتحدة».

هناك تحدٍ وخطر واضح تُواجهه دول الخليج، وهناك لاعبون دوليون متنافسون على لعب دور في الخليج، وهناك القوة الذاتية لأبناء المنطقة. ومثل هذا الوضع الذي نعيشه بحاجة إلى حكمةٍ وتخطيط ودبلوماسية، إلى جانب رفع راية القوة والحزم، والاستفادة من كل ما يتوفَّر لنا من وسائل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store