****
** **
تقدَّمت إحدى البائعات منَّا وسألت أبي: تريد حذاء لك سيدي أم لابنك؟، فأجابها: لي أنا، ابني حذاؤه ما زال جديداً كما ترين، ولمَّا سأل عن حذاء «بوكسكالف» اعتذرت بأن المحل لا يبيع هذه الماركة، وأحضرت للأب حذاءً جميلاً، ولمَّا خلع حذاءه القديم سدت إحدى الزبائن أنفها، وابتعدت باشمئزاز. وهنا يصف الابن شعوره قائلاً: أنا أحببت دائماً رائحة أبي، وظننتُ أن كل رائحة من جسم أبي طيّبة وطبيعية «رائحة أنفاسه.. رائحة أقدامه.. رائحة عرقه». صُدِمتُ أن ثمَّة مَن ينفرون من رائحة أبي، ولا يخجلون من إظهار نفورهم.
** **
أُعجب أبي بالحذاء، وبدا على ملامحه السرور وهو يخطو بضع خطوات فوق السجاد الأحمر الثمين. وسأل البائعة: كم ثمنه؟.
- فأجابت البائعة: ثمانٍ وعشرون كرونا.
لم يكن أبي يملك سوى عشر كرونات، فخلع الحذاء الجديد، وارتدى مسرعاً حذاءه القديم. وسمعتُ ونحنُ نُغادر المكان أحد الزبائن المتغطرسين يسأل البائعة متأفِّفًا: كيف دخل هذا إلى هنا؟.
ولأول مرة وجدتُ في ضعف سمع أبي ميزة حسنة، إذ جنَّبته المزيد من الهوان بما جاء من تعليقات ساخرة من أولئك المتغطرسين، وفهمتُ يومها أن الاختلاف بين الفقير والغني يأخذ شكلاً هرمياً، يبدأ من (القاع) مُمثَّلاً في القدمين، ونوع الحذاء، وينتهي بـ(القمة) مُمثِّلاً بالرأس ونوع القبّعة التي نرتديها.
#نافذة:
* فهمت وفهم أبي أن أحذية الفقراء من نوع مختلف، وما زالت ذكرى ذلك اليوم الذي اشترى فيه أبي حذاءً جديداً تُحرِّك في نفسي كل مشاعر الكُرْه لطبقيَّة بغيضة، تشمل حتى ما يرتدي الإنسان في قدمه!!
«إيفار لو جوهانسون»