Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

التأسيس لمستقبل الثقافة

A A
تَشِي المؤشرات بأننا إزاء تحولات ثقافية نوعية منذ انفصال وزارة الثقافة في (١٤٣٩/٩/١٧هـ) عن وزارة الإعلام؛ نلحظ تلك المؤشرات انطلاقًا من شعار الوزارة الذي جاء على ضربَين، رسمًا وكتابةً؛ فالرسم حزمة ألوان متجاورة بلغت (١٣) لونًا توحي بالتنوع والثراء، مستوحاة من تعداد مناطق المملكة الإدارية. أما الشعار الكتابي فقد جاء موسومًا بـ(ثقافتنا هويتنا)، ويُمكن قراءته على وجهَين: الأول- أن ثقافتنا تنطلق من هويتنا، فأي ثقافة لا تنطلق من هوية الوطن تُعد ثقافة نكرة لا تنتسب له، ولا تعبر عن مثقفيه وإبداعاتهم. الأخير- أن ثقافتنا هي الممثل الأمين لهويتنا، ولذا وجب تجويدها والارتقاء بها لتكون في مستوى التمثيل. ونلحظ المؤشرات أيضًا في كلمة سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله المُدوَّنة على موقع الوزارة بتأكيده على أن رؤية المملكة (٢٠٣٠) تنص على أن الثقافة «من مقوِّمات جودة الحياة»، وأن مهمة الوزارة تتمثل في البناء على هذا المقوِّم. نحن إذن أمام ثلاثة منطلَقات تؤسس لمستقبل الثقافة، الأول- تنوع ثقافي ثري شامل بامتداد جغرافية الوطن الكبير، الثاني- التزام بهويتنا بحيث تكون منطلقًا أصيلاً لثقافتنا، وبحيث تكون ثقافتنا هوية ممثلة لنا، الأخير- ثقافة جادة مأمولة بحيث تصبح متنًا في صناعة جودة الحياة، لا أن تظل هامشًا. بهذه المنطلقات الثلاثة يمكننا الاطمئنان على انطلاقة الوزارة في تأسيسها لمستقبل الثقافة، خصوصًا وقد جاءت المنطلقات واضحة بما لا يستدعي تأويلاً. على هذا كانت انطلاقة الوزارة بإعلانها عن إستراتيجيتها الضخمة وما تضمنته من (٢٧) مبادرة نوعية غير مسبوقة أبهجت المثقفِين ورسمتِ الأمل عريضًا أمامهم، ثم ما كان من تسلمها الأنديةَ الأدبيةَ وجمعياتِ الثقافة والفنون والمراكزَ الثقافية والمجلةَ العربية، وأخيرًا تسلمتِ المهرجانَ الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، وهو المهرجان الذي تجاوز الـ(٣٥) عامًا من الأصالة والإبداع خاصة في بواكيره. وعليه، فالتأسيس للمستقبل يتطلب شيئًا من المراجعات والأخذ بالرأي، وما يزيد معدلَ التفاؤل بنجاح خطوات التأسيس هو حالات التفاعل معه، غير أن التفاعل وحده لا يصنع شيئًا ذا قيمة ما لم تكن المراجعات مستمرة، وما لم يكن الرأي سندًا للرأي. ومن هذا المنطلق يمكننا القول إن توجُّه وزارة الثقافة (الكبير) للاعتماد على الطاقات الشابة (مشورةً وتفعيلاً) أمر محمود، لكنني لا أراه سبيلاً وحيدًا لبلوغ الأهداف وتحقيقها؛ ولذا فدمج طاقات الشباب وأفكارهم بخبرات سابقيهم من النخب المثقفة وغيرها أراه يشكِّل مزيجًا متجانسًا وجسرًا متينًا لبلوغ الأهداف. ثم إن الجميع يتفق على أهمية الثقافة لكنهم يختلفون على تعريفها، ولذا كثُر التنازع على المسار الثقافي الذي ينبغي أن توليه الوزارة كبير عنايتها، من هنا فالمأمول من الوزارة أن تحفظ لكل مسار حقَّه؛ فتحفظ للثقافة العميقة -التي تشكلت طوال العقود الماضية وأسست لثقافتنا الحاضرة- حقَّها، وتعمل على تطويرها، في الوقت نفسه تعزز وجود المسارات الحديثة وتوجه طاقاتها، مع الأخذ في الاعتبار أن (الأدب والفكر) يظلان المعيارَين الأوفى صدقًا والأكثر ثباتًا في قياس مؤشرات رقي الأمم وتقدمها. تبقَّت ثلاثة أمور حريٌّ بالوزارة أن توليها كبير عنايتها وهي تؤسس لمستقبل الثقافة: الأول- مأمول منها أن تشتغل على تحقيق المبادرات الـ(٢٧) التي أعلنتْها في إستراتيجيتها؛ كونها مبادرات استحدثتها بعد إنشائها، بالتالي ستغدو المحك الحقيقي لتقييمها مستقبلاً. الثاني- هو مسألة الاستثمار في الثقافة، فالمأمول أن تُخفف الوزارة من التركيز على هذا الهدف حتى تستوي على أركانها وتُحقق مبادراتِها، وتُكيف ما تسلمته من مؤسسات ثقافية، وتتضح لها المعالم، وبعدها يمكن -بتدرج- تفعيل (عملية الاستثمار أو تسليع الثقافة) التي تأتي -حتمًا- تاليةً وبفارق للمهام الأساسية للثقافة من بناءٍ للقيم وتعزيزٍ للوعي ورقيٍّ بالفكر. الأخير- مأمول من الوزارة أن تشتغل -في تأسيسها لمستقبل الثقافة- على جعل ثقافتنا تُحلق خارج الحدود المحلية والإقليمية، وجناحاها في ذلك التحليقِ يتشكلان عن طريق الانتهال من عُمق ثقافتنا الأصيلة الراسخة التي لديها القدرة على التمدد على أوسع رقعة جغرافية داخلية وخارجية -لا الشعبية الضيقة- وترتكز على فكرٍ راقٍ، ولغةٍ قومية وافية بأغراضها، وعن طريق الاستفادة من إبداعات الثقافات العالمية الرائدة ومحاكاتها. وما لم يكن صوت ثقافتنا مُقنعًا ومسموعًا خارج محيطنا المحلي فسنظل هامشًا على أطراف المراكز الأخرى.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store