Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

نحن والمشروع النهضوي العربي

A A
شكَّل المشروع النهضوي العربي مجالاً خصبًا للحديث عن مراحله ورموزه، والعوامل التي دَفعت به، وتلك التي وقفت عائقًا في طريقه. ولعل مِن أفضل ما كُتب في هذا المجال كتابًا صدر حديثًا (٢٠١٨م) للمفكر (عبدالإله بلقزيز) تحت عنوان (من الإصلاحية إلى المشروع النهضوي)، بدأه بالحديثِ عن مشروع النهضة الأوروبية ورديفه مشروع النهضة العربي -مع الفارق- حيث يقرر أن لحظة النهضة في أوروبا بدأت في إيطاليا، وأن لحظة الإصلاح أتت بعد لحظة النهضة بما لايقل عن مئة عام حين انطلقت من ألمانيا في القرن السادس عشر على يد الإصلاحي مارتن لوثر. أما لحظتا النهضة والإصلاح في الوطن العربي فقد بدأتا متزامنتَين في النشأة وذلك في القرن التاسع عشر، لكنهما مختلفتان في مكان النشأة؛ حيث انطلقت النهضة من مصر، وانطلق الإصلاح من بلاد الشام، ويرى أن هناك اختلافًا بين النهضتَين والإصلاحَين وذلك في المرجعيات والمضامين. من الفوارق أيضًا أن النهضة في تاريخ الفكر العربي بدأت -كما يقول- مثل نظيرتها الأوروبية من اللغة والآداب والفنون، ولكنها تخطت ذلك «فطالت أهدافُها ما يقع خارج اللغة والآداب والفنون، فغدت تعني وجوهًا أخرى من النهضة مثل: النهضة الفكرية، والنهضة الاجتماعية، والنهضة السياسية..»، ويرى أن جانب الإصلاح في الاستخدام الفكري العربي «كان أوسع مدارًا من الإصلاح الديني الأوروبي، بحيث لم يكتسب معنًى دينيًّا حصريًّا». يتجه بلقزيز بعد ذلك للتفريق بين غايات حركتَين تتقاطعان مع مشروع النهضة العربي هما (الحركة الإصلاحية الإسلامية منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، والحركة الإحيائية الإسلامية منذ ثلاثينيات القرن العشرين)، فالإصلاحية «يختصرها السؤال الفكري الثاوي في خطابات مفكريها كافة: كيف نتقدم؟»، بالتالي فهو سؤال «حركي، آفاقي، مستقبلي»، أما الإحيائية «فيختصرها سؤال شيوخها ومرشديها: كيف نحمي الهوية؟»، بالتالي فهو سؤال «دفاعي نكوصي». والمفارقة بين الحركتَين تكمن -كما يقول- في أنهما تنطلقان من مرجعية مشتركة هي الإسلام، لكن مع اختلاف شديد في الرؤية والأهداف، وما يؤكد كلامه أن (الإحيائية) جعلت من السياسة مطية لأهدافها، وخرج من إهابها جماعات استحلت التكفير والقتل. وفي سبيل تمهيده لمشروع عربي نهضوي يستلهم بلقزيزُ المشروعَ الليبرالي الغربي والمشروع النهضوي الألماني للتأكيد على أن الظروف الأمثل لولادة أي مشروع نهضوي «هي ظروف الإخفاق والتراجع، بوصفها البيئة التي تُنتج -عادةً- السؤال التاريخي الإستراتيجي: ما العمل؟ وهو سؤال الأسئلة في مشاريع النهضة، بل قل هو من مفاتيحها التأسيسية».

يرى بلقزيز أن المشروع العربي النهضوي مر بمرحلتَين: الأولى في ثلاثينيات القرن التاسع عشر على يد محمد علي، والثاني منتصف القرن العشرين على يد جمال عبدالناصر، ويرى أن المشروعَين لم يُكتب لهما النجاح لعوامل داخلية، ولعوامل خارجية تتمثل في الاستعمار. ثم يُجمل أخطاء مشروع النهضة العربي في مسألتَين: في (الانتقائية المعرفية) حينما كان النهضويون يلوذون بنصوص تنويريي أوروبا «لكنهم لم يلتزموا أصولها ولا نظامها المعرفي»، وفي (النهضة ذات البعد الواحد) أي «غياب لحظة فكرية وتركيبية وجامعة.. تتجاور فيها أهدافها تجاورًا جدليًّا وترابطيًّا». ويخلص إلى أن «ميلاد مشروع ثقافي نهضوي عربي جديد» يتوقف على شرطَين أساسيين بحيث يكون (تركيبيًّا)؛ أي لا يكون هناك انفصال بين مبادئ النهضة وأهدافها، (وتاريخيًّا) بحيث تتحقق «منظومة أهداف ومطالب نفتقر إليها في واقعنا التاريخي العربي: الحرية، العدالة..». المؤلِّف اشتغل على موضوعه بعمق، ما يُغري بتكرار قراءته، لكن الملاحَظ أننا لم نجد لدول الخليج حظًّا في حركة المشروع النهضوي العربي ولا في خطابه، (فقط) أكد على أن الوحدة السعودية «لا نستطيع أن نرفضها بدعوى أنها غير ديمقراطية» لأن في ذلك «مقايضة وانتصارًا للرغبة على التاريخ الموضوعي». ويبقى السؤال: هل حقًّا أن السعودية -والجزيرة العربية عمومًا بما فيها دول الخليج- ليس لها حظ في المشروع النهضوي العربي، لا في الماضي ولا في الحاضر؟!.. أجزم أن مسيرة المجتمع السعودي -وخاصة في العصر الحاضر وفق الرؤية الجديدة- دليل على فساد هذا التساؤل.

وقفة: أشكر لمستشارِ خادم الحرمين الشريفين، أميرِ منطقة مكة المكرمة، صاحبِ السمو الملكي الأميرِ خالد الفيصل اطِّلاعَه على مقالي (التقننة.. لا راجل ولا ضامر في الحج!) المنشور في هذه الصحيفة، وبعثَه لي برسالة شكر. وهذا يدل على تفاعل سموه الإيجابي مع ما يُكتَب، واهتمامه الكبير بما يخدم الحج ومنطقة مكة والوطن الكبير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store